نسب قبيلة بني معين
3 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
نسب قبيلة بني معين
ال معينيون من جازان
عبدالرحمن الرفاعي
صفحة 1
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
التاريخ حقائق علمية و وقائع زمنية ، وجازان تاريخ وحضارة، جبال وسهول وجزر، والبحث العلمي والتاريخي والتراثي يلقى تجاوباً من الطبيعة ، و في ا لطبيعة يجد الباحث نفسه في دوامة التاريخ ، فما عليها كفيل بالبحث والمتابعة حتى الوصول إلى قناعة تاريخية تراثية بالدليل العلمي الموثق ، وطبيعة الجبال في منطقة جازان تحتاج إلى الباحث الصبور والطموح ، ومؤلف الكنعانيون معينيون من جازان الباحث والأديب والكاتب الأستاذ/ عبد الرحمن محمد يحيى الرفاعي قد جاء محققاً لهذا الأسلوب بجانب ما وصل إليه وحققه علمياً وتاريخياً وتراثياً ، فما كان لي ولأبناء المنطقة إن لم يكن كلهم فبعضهم بمعرفة ذلك بل وحتى سكان المنطقة ربما لم يكن لديهم ما يعرفونه عن الموقع الذي وقف عليه المؤلف. والمؤلف بحق (( من خلال قراءاتي المتكررة )) لما بين أيديكم ، قد بذل جهداً غير عادي في الوصول إلى حقيقة تاريخية نحتاج إليها ويحتاج إليها الأجيال بل وعلى إدارة الآثار بوزارة الثقافة والإعلام والسياحة ودارة الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ الاطلاع على هذا المؤلف والاستفادة مما جاء به من حقائق علمية وتاريخية وتراثية ، ومن الأنسب أن يكون هناك اتصال مع المؤلف والوقوف على الأماكن الأثرية والتاريخية بمنطقة جازان فالأجيال بحق يحتاجون إلى معرفة تاريخ ذلك ، ثم أن ما أشار إليه المؤلف جدير باهتمام لجنة السياحة ، وجدير باستثمار هذه المواقع من شركات متخصصة ، فكل جديد مرغوب وكل جميل مسبوق ، أحيي في الأستاذ المؤلف روحه وصبره وعلمه ، وأتمنى له دوماً التوفيق ؛؛
محمد أحمد سالم بريك
======
صفحة 2
تمهيد
طُلب مني أن اكتب عن موقع أثري ذي أهمية تاريخية كبيرة بمنطقة جازان قديماً، فاحترت ، ولحيرتي أسباب كثيرة جداً ، منها كثرة المواقع الأثرية وتنوعها بمنطقة جازان ، إذ كل واحد منها يمتاز بميزات تاريخية لا توجد في غيره ، ثم إن هذه المواقع منها ما هو معروف ومعلن ومسجل رسمياً لدى الجهات المعنية بالآثار، ومنها ما هو غير معروف ولا مسجل ، وهو كثير ، ولأن من طلب مني الكتابة غالي عليّ جداً ، رأيت أن أخصه بشيء ذا شأن ، فقررت أن أوجز له بحثاً عن موقع أثري من النوع الثاني ـــ الغير معروف ـــ كنت آثرت تأخير الحديث عنه ، لوقته، …. فاخـترت له موقعاً بالجزء الجبلي من منطقة جازان ، ذو أهمية مزدوجة ، تاريخية، لغوية ، … وقد عثرت عليه أثناء بحث ميداني لي في هذا الجزء الجبلي قبل أربعة عشر عاماً ، إذ كنت وقتها أقوم بتسجيل بعض لهجات تلك المنطقة ، وقد صدرت في كتاب بعنوان (( الحلقة المفقودة في امتداد عربية اللهجات السامية)) … وأثناء ترددي على مواقع تلك المنطقة، ذات الطبيعة الساحرة ، الماء والخضرة والوجه الحسن، كما يقولون ـ ، في هذه المنطقة الجميلة عثرت ــ مع بعض الزملاء ــ على هذا الموقع الذي استمر ترددنا عليه ، …. وقد قمنا بتصويره ، مع تسجيل كل ما عنّ لنا من ملاحظات حوله … ثم إن طبيعة البحث الذي كنت أقوم به هناك فرضت عليّ الاهتمام به كثيراً ؛ لأني وجدت أنه يرتبط بما أقوم به …. إذ بعد دراسة تلك الملاحظات التي كنت أسجلها حوله وتحليلها ؛ اتضحت أهمية ارتباطه بما أقوم به ، فقد وجدت فيه دليلاً يؤكد عراقة ارتباط : ألسنة تلك اللهجات التي تعرف بالساميات ، بأهل هذه المواقع ، ولا سيما هذا الموقع ومن كان فيه…. وهذا الموقع : هو عبارة عن صور كبير مدمر ، بداخله آثار مدينة كبيرة مدمرة أيضاً ، حولها مقابر أثرية تاريخية كبيرة ، بل به معبد كبير ضخم لا يزال قائم أكثره ، به نقوش مسندية قديمة وأنصاب لا تزال قائمة ،وأشياء كثيرة مهمة تستحق نظرة هيئة الآثار إليها ،… وقد كتبت عنه بتوسع في البحث الآنف ذكره ،…. بل وتعرضت له في بحث آخر كان بعنوان (( جدة والكنعانيون بفرسان )) نشر قبل فترة ،… ومن أهمية هذا الموقع ـ أيضاً ـ ، كونه يعد همزة وصل بين القبائل الذين أطلق عليهم مصطلح الكنعانيين وبين من بقوا على تسميتهم بقبائل معين أو سبأ ، … أذكر أنني حينما سألنا بعض كبار السن من أهل هذا الموقع ـ وما حوله ـ ، بادر الكثير منهم ، بأن هذا الموقع هو خرائب مدينة (( قرنو )) إحدى مدن معين ، بل الكثير منهم أصر على ذلك ، بل هناك ما يجعل الباحث يقف عند ما أصروا عليه ، وهو أن هذا الموقع الأثري يقع في منطقة واسعة تدعى ببني معين ـ وإلى الآن ـ ، وشيء آخر ، هو أن منطقة آثار معين ـ الدولة ـ (( لا تبعد عن هذا لموقع بعداً يمنع من شد الباحث، وهناك أمور كثيرة تدعو مؤسسات الآثار للتنقيب والبحث في هذا الموقع وأمثاله لكشف ما تستره تربها وخرائبها من كنوز كشفها يعيد كتابة التاريخ وصياغة نظرياته ،…. فهل من مجيب؟ أما جهدي الفردي فقد واصل عمله ، إذ قمت بدراسة وتمحيص وتحليل الملاحظات التي استطعنا تسجيلها أثناء ترددنا لهذا
صفحة 3
الموقع ، وهنا سوف أوجز ما توصلنا إليه منها ، ومن أراد التفصيل فليرجع للبحث الأم السابق ذكره،… فمما توصلنا إليه :ــ
ـ كون الكنعانيون هم معينيون ، وأنهم كانوا من ضمن إخوتهم المعينين الذين كانوا متواجدين في هذه المواقع ، بدليل شهادة هذه المواقع ـ آثارها ـ وتواجدهم فيه قبل رحيلهم لأن نفس الآثار التي وجدناها في هذا الموقع لا تختلف في شكلها ومضمونها عن تلك الآثار التي وجدت في مواقع الجوف ولا عن الآثار التي وجدت في بلاد الرافدين أو الشام أو فلسطين ، أو في جزيرة ريدوس اليونانية وغيرها من الآثار التي نسبت لمن سموا بالكنعانيين وهم أصلاً معينيون ، فالمعبد القائم في هذا الموقع لا يختلف عما وجد من معابد نسبت للكنعانيين أو للمعينيين صراحة ، كذلك بقايا السور الذي يحيط بالمدينة المهدمة ، والتي كانت قائمة حول المعبد وأشياء أخرى كثيرة تشير أن من أطلق عليهم مصطلح (( الكنعانيون )) هم معينيون ، لأن مصطلح التسمية هذا ، لا يعني أنه مصطلح نسبي ، لأن أكثر مؤرخي الساميات كادوا أن يجمعوا على من سموا بهذه التسمية هم آتون من جزيرة العرب ….؛؛
التسمية بالكنعانية غير صحيحة وهذا الدليل :ـ
وإذا كانوا كذلك، فالتاريخ يقول لم يكن في جنوب جزيرة العرب أب لقبيلة يدعى كنعان ، أو مكان اسمه كنعان يمكن أن ينسب إليه هؤلاء القوم ، بل رأينا التاريخ يقول : إن التسمية لحقتهم بعد خروجهم من جنوب جزيرة العرب ، وقد تحدثنا بإسهاب عن هذا الموضوع في بحث (( جدة والكنعانيون بفرسان)) ونضيف هنا ونقول: إن التسمية كانت لسببين ، الأول ما سبق أن أشرنا إليه في البحث السابق ، وملخصه أن : (( أولئك المهاجرين لم يكن انطلاقهم من جنوب جزيرة العرب من جهة واحدة ، بل كان ذلك من أماكن وطرق متعددة ، فالفينيقيون رأيناهم قد لزموا في رحلتهم الطرق الشرقية سواءً كانت داخلية عبر الجبال والطرق الصحراوية ، أو كانت عبر الشواطىء الشرقية كبحر العرب… في حين نجد فريقاً آخر تجمعهم بالفريق الأول رابطة الأبوة ، إذ الجميع من نسل عمليق … ومع ذلك خالفوا إخوتهم الفينيقيين طرق رحلتهم ، حتى كان لتلك المخالفة عليهم أثراً لدرجة جعلت صفة لهم لتتحول بعد ذلك لقباً ونسباً لا يعرفون إلا به وهو(( الكنعانيون )) وذلك لكنوعهم وميلهم في سيرهم عبر طرق خالفوا فيها طرق إخوتهم،… (1) … وهذا ما أكدته لغة العرب ولسانهم جميعاً عن مادة كنع : فكنع كنوعاً : انقبض وانضم.. وفلان كنع : أي لان وخضع .. وكنع النجم : أي مال للغروب ، … والكنيع : هو العادل عن طريق إلى غيره … ؛؛
__________________________________________________ _
(1) (( الحلقة المفقودة في امتداد عربية اللهجات السامية ـ عبد الرحمن محمد الرفاعي ص 28ـ 29.))
صفحة 4
والكنعانيون هم أمة تكلمت بلغة تضارع العربية … وكنع عنه : أي عدل عنه ومال ناحية أخرى … وكنع: أي اجتمع وعليه تعطف … والليل حضر ودنا … )) (1) … وعند المادة اللغوية نقف قليلاً ، فهي رغم كثرة مداليلها ودلالاتها المعنوية ، إلا أنها تكاد تحصر في عموم مدلولين ، الأول : هو العدول والميل عموماً ، وأهم مدلول لهذا الوجه ـ كما رأينا ـ هو أن الكنوع يطلق أساساً على كل من عدل عن طريق إلى آخر ، … وكذلك : الميل نحو ناحية مخالفة لما عليه الآخر ، وخصوصاً الميل والاتجاه ناحية الغرب ، أما الوجه الآخر: فأهم دلالاته هي الاجتماع والانضمام، ومنه الالتصاق والإلتزاق، وفي هذا المدلول يدخل مفهوم آخر يرتبط بمدلول جمالي تشخيصي ، لذلك قالوا : أنوف كانعة … وأظن أن من خلال هذه المداليل جاءت تلك الصفة ( الكنع ) ـ الميل والعدول ناحية الغرب ـ لأولئك القوم الذين أصبحوا لا يعرفون إلا بها ( الكنعانيون ) ، فقد ورد أن هذا الفوج قد اتجه في سيره ناحية الغرب ، وقد انقسموا عند خروجهم من موقعهم ، فمنهم من سلك طرقاً ـ وإن كانت غربية ـ إلا أنها كانت داخلية ، عبر جبال السروات إلى الحجاز ـ مكة والمدينة ـ ، والقسم الآخر سلك طريق الشواطىء والسواحل.. ( 2 ) … وإذا كانت هذه الأفواج قد مالت في رحلتها ناحية الغرب ، وبذلك سموا بالكنعانيين ، فإني أرى أن الموقع الأثري الذي نتحدث عنه وما حوله من مواقع كان موقعاً رئيسياً وأساسياً لتلك الجموع التي رحلت وعرفت بالكنعانيين فيما بعد ، وذلك لأسباب كثيرة:ـ
1ـ أن لفظة كنع لازالت موجودة في لهجات الموقع و ما حوله من مواقع ، أي اللهجات الخاصة ، التي يتحدثون بها فيما بينهم فقط ، و التي سبق أن تحدثنا عنها في كتاب الحلقة المفقودة و اعتبرناها الحلقة التي تربط بين عربية اليوم و عربيات الراحلين إلى الشمال بألسنتهم العامية، يقول أحد أبناء موقع فيفا القريب من الموقع المتحدث عنه إن مادة (كنع) لازالت موجودة في لهجات مواقعهم الجبلية ، و لا سيما فيفا والموقع ـ المتحدث عنه ـ ، و إن حدث لها بعض التغيير نتيجة لتغير طرق النطق الخاص بمواقعهم ــــــ كما سبق الحديث عن ذلك ـــــــ ، فكنع إن نطقت يسمعها السامع العادي هكذا ( كع ) بدون نون ، و الحقيقة أن النون موجودة إلا أنها مدغمة ــــ كما سبق الإشارة إلى ذلك ـــــــ ، كما درجت العادة في نطق الثلاثي من لهجات فيفا ، …… ثم إن أصحاب هذه اللهجة لهم نطق خاص بالكاف ، تحسبها شيناً مع تاء إن نطقوها ، فحينما يريدون نطق ( كنع ) يقولون : (تشنع)،وهي تساوي كنع في مداليلها ، من ميل و ضم الخ…… (3) إذن فلهجات الموقع تؤكد أن التسمية بالكنعانية ليست نسباً و لا اسماً لأب ، بل تعني أن القوم حينما مالوا نحو الغرب في رحلتهم وخالفوا اخوتهم الذين سبقوهم في طرق رحلتهم أطلقت عليهم صفة الكنع …. وليس هذا فحسب ، ما يؤكد معننة أولئك الذين سموا بالكنعانيين ، بل حتى مسميات فنون و أشعار الآداب الشعبية للموقع و المنطقة تؤكد هذه الحقيقة ، ففي لسان الموقع و كل ما حوله يوجد فن شعبي يطلق عليه فن الدلع ، وله شعر أيضاً يسمى بنفس التسمية (الدلع ) … (4) يقول الدكتور القبيسي ، أثناء تعليقه على قضية اللواحق في اللهجات السامية و الكنعانية خصوصاً: (( و تطابق مرادها جذراً و مدلولاً مع جذور و مداليل العربية القرآنية .
(1) القاموس المحيط : 80/ 3، لسان العرب : 316/ 8، ومثل ذلك تاج العروس وغيره من المعاجم اللغوية
(2)المفصل ، جواد علي : 532/1 (3) محمد بن مسعود الفيفي تسجيل مع تحريف بسيط من أجل صياغة الأسلوب
(4) تحدثنا عنه في كتاب ( الفنون الشعبية بمنطقة جازان ….
صفحة 5
يقول : ( (ونا)…. هذه اللاحقة ، هي في الواقع مركبة من اللاحقتين ، الأولى: الكنعانية (ون))، و الثانية هي الألف الآرامية و من أمثلتها ( دلعونا) من : (( دلع + ون+ا )) .. (ودلعونا) كلمة من كلمات ــــ مصطلحات ـــــ التراث الغنائي ( على دلعونا ) …….. و قد ذهب الموسيقار زكي ناصيف في مقابلة تلفزيونية بدمشق عام (1992م) مع السيد عادل يازجي : أن الدال هي سابقة عربية سريانية …. و نلاحظ هنا أن الدال في دلعونا هي جزء من الجذر ( دلع)…….(1) و إذ كانت دلعونا في الكنعانية هي رقصة غنائية مصاحبة بنوع من الشعر يسمى بنفس تسمية الرقصة ( الدلع ) ، و قد رأينا أن فن الدلع ــــ رقصاً و شعراً ـــ هو من أهم و أشهر رقصات الفنون الشعبية بمنطقة موقع هذا البحث أفلا يؤكد هذا جنوبية تلك العربية و معننتها ، و خصوصاً الكنعانية و أخواتها ….و خصوصاً إذا علمنا أن أحد الإخوة اليمنيين ــــ في الفترة الأخيرة ـــــ قد أكتشف قبل بضعة أشهر نقشاً ، قد نقش فيه اسم وادي جازان قبل سبعة آلاف سنة ، و قد عرضه في أحد المؤتمرات مؤخراً ….. و قد وجد هذا النقش على مقربة من منطقة موقع البحث …. أفلا يؤكد زمن تاريخ هذا النقش وجود اسم الوادي الذي ينبع من نفس الجبل الذي يوجد به الموقع الذي خرج منه من سمي بالكنعانيين ، لكونه متوافقا مع زمن خروجهم ، مما يؤكد معننة الكنعانيين و أنهم خرجوا من نفس هذا الموقع …..
1- ملامح في فقه اللهجات العربية من الآكـادية و الكنعانية و حتى السبئية و العدنانيةة: صـــــــ174
صفحة 6
2- إن تسعين بالمائة من مؤرخي السامية يؤكدون على جنوبية هذه الأفواج وعروبتهم … ويؤكدون ـ أيضاً ـ أن جميع الأمم السامية الأخرى لم تكن تعرف الكنعانيين بهذا الاسم ، ولا حتى باسم آخر قريب منه …(1) … و هذا يؤكد أن تسميتهم بالكنعانيين كانت تسمية طارئة ، وهو ما سبق أن أشرنا إليه ، … وهو كنوعهم عند خروجهم من موقعهم ناحية الغرب … كذلك يؤكدون على أنهم كانوا يتمركزون في مواقع جبلية تطل دوماً على الشواطىء والسواحل … وهذا ما ذهب إليه أكثر المستشرقين تعصباً ضد العرب حينما تحدث عن عروبة الكنعانيين وجنوبيتهم بقوله : (( وعلى العموم: فإننا نلاحظ أن هناك شبهاً كبيراً بين أقوام جنوب جزيرة العرب وبين الكنعانيين … فقد كانت بلاد كنعان ـ جبلية على أطراف البحر … وقد أنبتت حضارة مادية عملية تعتمد على ا لفلاحة والتجارة … وكذلك كانت أرض أقوام جنوب جزيرة العرب جبلية ، وعلى أطراف البحر … وهم قوم يقبلون إقبالاً شديداً على الحضارة العملية المادية ، مع العناية بالتجارة والزراعة …(2) … وإذا كان الكنعانيون ـ المعينيون ـ كانوا يسكنون المواقع الجبلية التي تكون قريبة من السواحل البحرية فإن هذا الموقع الأثري الذي نتحدث عنه لا يبعد عن البحر أكثر من (( 60ـ 70)) كيلوا متر ، ..ثم إن خضرة هذا الموقع وجماله الطبيعي ومدرجاته الزراعية المتوارثة إلى وقتنا الحاضر ، يشهد باشتغال واهتمام أهل هذا الموقع ـ وما حوله ـ بالعمل الزراعي والاتجار بمنتوجاتهم الزراعية … ناهيك عن فن العمارة التي يشهد بها المعبد القائم ـ أكثره ـ إلى وقتنا الحاضر ، وصور المدينة المدمرة ، وتنسيق القبور الموجودة إلى الآن ، كل ذلك يشهد بما كان عليه أهل هذا الموقع من حضارة عملية علمية ، بل إن كل الآثار الموجودة به ـ وما حوله ـ تكاد تكون نسخة من مآثر أولئك الذين سموا ( كنعانيون) سواء كانوا هنا أو في أي مكان حلوا فيه … بدليل ـ كما سبق في جدة والكنعانيون بفرسان ـ أن هذه الأفواج أخذت في تدحرجها من
(1) تاريخ اللغات الساميات ، ولفنسون: ص 57 (2) تاريخ اللغات الساميات ، ولفنسون: ص 213 .
صفحة 7
هذه المواقع في بداية رحلة هجرتها ؛ و رأيناهم يسكنون بلاد فرسان الواقعة على شواطىء البحر الأحمر ـ قبل العصر الحجري ـ ، فالمآثر التي وجدت بفرسان من مقابر وغيرها ، هي شبيهة تماماً بما هو موجود في هذا الموقع ، شأنها جميعاً شأن ما عثر عليه خارج جزيرتهم ونسب إليهم ، بل هناك أمور تؤكد تواجد من سموا بالكنعانيين في هذا الموقع وما حوله … وإذا كنا قد أكدنا على أن المصطلح ـ الكنعانية ـ لم يكن نسباً لهم فإن كشف هذا الموقع يؤكد ما سبق أن أشرنا إليه من أن هذه الأفواج ، هي أفواج معينية، وذلك لأسباب كثيرة ـ إضافة لما سبق ـ منها ، أن هذا الموقع يقع في أرض لا تزال تسمى إلى الآن ببني معين …(1) ؛؛ بدليل أن صموئيل لاينج في كتابه (( أصل الأمم)) يذهب إلى أن الساميين استوطنوا بلاد العرب ؛ وأنهم حيثما وجدوا في غيرها فهم غرباء ، وأن تقدمهم في الحضارة معرق في القدم ، ربما كان زمن تحول العصر الحجري ، تحولوا يومئذ عن القنص والصيد، إلى الزراعة والصناعة… وهو يشير بذلك إلى (( الدولة المعينية )) التي جاء ذكرها في سفر الأخبارـ الثاني ـ الإصحاح 26عدد 7 ،…. (( وقد عثر الباحثون على أمة بهذا الاسم ـ معين ـ ذكرت في أقدم آثار بابل سنة (( 3750 ق ـ م )) على نصب من أنصاب النقوش المسمارية (2).. أفلا يؤكد هذا أن الكنعانيين هم معينيون ، لأن النصب يشير إلى اسم دولة معين صراحة ، والنقش قديم جداً ـ الألف الرابع قبل الميلاد ـ ، ويلاحظ أن النصب ـ أيضاً ـ يشير إلى وجودهم على نفس الأرض التي قيل بوجود الكنعانيين بها إلى جانب الآكاديين والبابليين ، بل ويشير صراحة إلى أن المعينيين كانواأصحاب أقدم حضارة في تلك الأزمنة السحيقة ، وخصوصاً في الزراعة والصناعة ، … وأن رقيهم كان مرتبطاً بالجانب المادي، وهذا هو بعينه ما قيل عمن سموا بالكنعانيين ، .. وإذا كان المستشرقون يقولون: (( إن للكنعانيين غير تأثيرهم العلمي والصناعي على العالم المتمدن فضل عظيم آخر وهو تأثيرهم الديني في جميع الأمم السامية ، فقد كانت ديانتهم أرقى ديانات الأمم السامية الوثنية ، لذلك تأثرت بها ديانات بابل وغيرهم …))(3) … فهاهم المستشرقون أنفسهم يقولون : (( وبالإجمال نرى أنه ليس من السهل تقدير مبلغ تأثير الحضارة المعينية والسبئية على الحضارة السامية … غير
(1) تقع داخل الجزء التابع للمملكة العربية السعودية في جنوب جزيرة العرب. (2) تاريخ آداب العرب ـ الرافعي : 48/1. ، … الحلقة المفقودة في امتداد عربية الساميات : 31ـ 32/ المؤلف .
(3) تاريخ اللغات الساميات ص55.
صفحة 8
أننا نرجح أن هذا التأثير كان عظيماً ؛ لأن التغييرات الخطيرة والانقلابات العظيمة
التي حدثت في تاريخ الأمم السامية إنما كان سببها هجرة جموع سامية كثيرة من داخل الجزيرة إلى سوريا والعراق وفلسطين … بل كان مصدره جنوب جزيرة العرب ))(1) ؛؛ وإذا كان التأثير العلمي والصناعي والديني الذي نسب لمن سمي بالكنعانيين هو نفسه كان مصدره معين جنوب جزيرة العرب ؛ إذن فالكنعانيون هم معينيون ؛ لأن اسم الدولة المعينية وشعبها وجد هناك في أرض آكاد وبابل والشام وفلسطين … …. وإذا كان اسم معين وجد منقوشاً في أرض العراق ـ قبل أربعة آلاف سنة قبل الميلاد كدولة ـ ، إذن فهم كشعب كانوا أقدم من ذلك بآلاف السنين ، بدليل أنا وجدنا النقوش : (( الكنعانية كانت تتجه نحو الآراء الحقيقية البعيدة عن الخيال … كما كانت نقوش معين وسبأ مصبوغة بصبغة مادية أكثر منها خيالية ..))(2) ، … إذن فالخط الكنعاني هو نفس الخط المعيني …؛؛
الخط واللغة :ـ
والحديث عن الخط يجر للحديث عن اللغة ، لأنه عبارة عن رسم الحروف التي تكِّون ألفاظ تحمل معاني ؛ والحروف والألفاظ التي تحمل المعاني : تعني اللغة التي كان يتحدث بها أصحاب ذلك الخط ـ النقش ـ ، فهل كان لسان أصحاب من نقشوا النقوش التي نسبت لمن سموا بالكنعانيين ، هي نفسها لسان من ظلوا محافظين على التسمية المعينية ؟ …. وهل كان لسان أهل الموقع الذي نتحدث عنه، فيه ـ قديماً وحاضراً ـ ما يؤكد ارتباطه بمن سموا بالكنعانيين؟ …… ؛؛ إن الأصول اللغوية التي تؤكد إن هذا اللسان هو من هذا اللسان ، هي أمور منصوص عليها في أمهات اللغة وأصولها، ولا يختلف عليها مؤرخو اللغات؛ كأصول الضمائر بأنواعها ، والألفاظ التي تطلق على أصول الأشياء المستعملة في الحياة ، كأصول أعضاء الإنسان والحيوان والسماء والأرض ، وما شابه ذلك ،… فإذا أخذنا مثلاً الضمائر ، وبدأنا بالحديث عن ضمير الغائب المنفصل (هو) ، ورجعنا لمنطقة الموقع الذي نتحدث عنه ، فسنجد أن قبائل وبطون هذا الموقع وما حوله ؛ كان وما زال يتنوع نطقهم لهذا الضمير ، فقد كان منهم وما ـ زال ـ من ينطق هذا الضمير بهذه الصورة ( ش ـ هـ ) كصعدة والجبالية، والأحقاف ( شه ) بعكس مواقع المهرة وقبائلها ـ لا تبعد كثيراً عما نتحدث عنه ـ نجدهم ينطقون هذا الضمير ـ هو ـ على هذه الصورة ( هه ) ، أما أصحاب الموقع ذاته ـ بني معين ـ ، وبعض مما حوله كالغمر وبني ودعان ورازح ، وقيس والريث وهروب حتى مواقع الجوف ، فقد كانوا ينطقون الضمير السابق هكذا ( شو ) ـ هو ـ ، ومثلهم كان الأوسانيون والقتبانيون ، بعكس السبئيين فقد كانوا ينطقونه بطريقة هي أقرب إلى النطق المهري ،مع اختلاف يسير في النطق؛؛
(1) تاريخ اللغات الساميات ص208.
(2) تاريخ اللغات الساميات ص213.
صفحة 9
أي هكذا ( هاء ) ، ومثلهم في ذلك آل محمد والأيتام والجذميين ، وكل هؤلاء يعودون لمواقع في جبال العبادل ـ قرب الموقع ـ ،…. وهذا النطق كله هو في حالة ما يكون الضمير مذكراً ( هو ) .. أما في حالة ما يكون الضمير مؤنثاً ( هي ) فهو في الجبالية ينطق هكذا ( سه ، س ـ هـ ) وكذلك في بعض بطون القبائل المهرية ، إلا أن ( السين ) تنطق ممالة …. أما بعض البطون الحضرمية ، فهكذا ( س ) أو ( ث) ، … هذا موجز للكيفية التي كان ينطق بها ضمير الغيبة المنفصل في الموقع المشار إليه ، وكذلك جل المواقع التي تمتد حوله شرقاً وغرباً ، وشمالاً وجنوباً ، بجنوب جزيرة العرب قديماً وحاضراً فيما بينهم، … وإذا رجعنا لما يستعمل في بلاد الرافدين والشام وفلسطين قديماً ، فإننا سنجد نفس الاستعمال بعينه الذي يعمل به في جنوب الجزيرة العربية، عند أولئك الذين أطلقت عليهم مصطلحات سموا بها لإبعادهم عن أسماء أنسابهم الحقيقية ، كالكنعانية والآكادية ـ من بابل وآشور ـ فقد جاء ، أن ( شا ـ شو ـ شي ) قد عرفتها الكثير من اللهجات الكنعانية ، والآكادية بفرعيها ـ البابلي والآشوري ـ …. إلا أن الآكادية أخذتها لتعني ( ذا ـ ذو ـ ذي ) أما ( شو ـ شي ) فقد أخذتا لإعطاء مدلولين آخرين ، حيث ( شو ) تعني ( هو) و(شي) تعني ( هي ) …)) (1)…، وإذا عدنا إلى جنوب جزيرة العرب قديماً ـ والآن ـ وإلى المواقع التي أشرنا إليها ، فسنجد أن القتبانيين والأوسانيين والمعينيين ، كانوا يستعملون للإشارة ( سا ـ سو ـ سي )(2). (3). مثل أولئك الذين كانوا خارج جزيرة العرب ، ومنها خرجوا ، … أفلا يدل هذا التوافق في اللغة والأرض والتاريخ ، أن أولئك الذين سموا بالكنعانيين وآكاديين ؛ كانوا من هذه المواقع ـ بجنوب جزيرة العرب ـ ، وأنهم أيضاً من أصل هذه الأمم ـ ، التي كانت تسمى ، بمعين وأوسان ، وسبأ وقتبان ، بل ـ عندي ـ ؛ أن الكنعانيين ـ بالذات ـ هم من معين جازان ـ بني معين ـ ، إن لم يكونوا أصول من بقى منهم بجنوب الجزيرة على نفس التسمية ، بدليل ما سبق أن أشار إليه (( صموئيل …)) ، حول وجود اسم دولة معين في نفس الأرض التي وجدت عليها من سموا بكنعان وآكاد ، وفي زمن بعيد جداً ومتقدم حتى على الزمن الذي جعله المستشرقون تاريخاً لزمن رحيل من سموا بالكنعانيين من جنوب جزيرة العرب ، ـ وعندي ـ أن هذا الزمن الذي جعل لرحيلهم ـ إن صح ـ غير صحيح ، لأن المسلة التي دونت عليها الشريعة البابلية في (( 282 نصاً )) ، إنما كانت لدولة عربية ـ كما ثبت لهم ـ ،… وأن تلك الدولة كانت تبتدئ في : (( 2460 ق ـ م )) (4) .. وإذا كانت تلك الشريعة ، هي لدولة عربية قامت في بلاد بابل ، في نهاية النصف الأول من الألف الثالث قبل الميلاد ، وأن اسم تلك الدولة معين ، كما وجدت في نقوش بابل قبل ذلك بكثير ؛ أي في نهاية الألف الرابعة قبل الميلاد (( 3750 ق ـ م )) ، أفلا يدل ذلك على أن أصحاب تلك الدولة هم معينيون أصلاً ، لأننا وجدنا التاريخ يقول : إن صاحب تلك المسلة : (( هو الملك حمورابي ، وأن حمورابي هذا
(1) ، (2) ،(3) = نقوش يمانية :ص83،… العربية القديمة: ص 110،111،… لهجات اليمن لشرف الدين :ص19،15 ..، فقه اللهجات العربية القديمة : ص 153، 155، 56.
صفحة 10
هو سادس ملوك الأسرة الكنعانية ، التي أقامت حضارة عظيمة في بابل …)) (1) .. وإذا كانت هذه الدولة كنعانية ؛ فاللغة التي كتبت بها تلك الشريعة هي أيضاً لغة كنعانية ، لأن التاريخ يقول : (( كان للأسر الكنعانية تأثير عظيم في حياة بابل وعقائدهم وعقليتهم ؛ بل كان للغتهم نفوذ كبير في لغة بلاد بابل ، وهذا يدل على أن للكنعانيين كانت حضارة عظيمة قبل مجيئهم إلى بلاد بابل ، كما يدل أن العلاقة كانت متينة جداً بين اللغة الكنعانية والبابلية ، بل وتدل على قرب عظيم ، وشبه شديد بينهما ، حمل طائفة من المستشرقين أن تؤلف منها كتلة واحدة تماثل الكتلة السامية المكونة من اللغات الجنوبية في الجزيرة العربية …)) ( 2)… وهذا يؤكد لنا أن لغة كنعان وبابل هي لغة عربية جنوبية ، أي أنها لسان معينية ، بدليل ما سبق أن أوجزناه حول استعمال ضمائر الغيبة التي كانت تستعمل ممن سموا بالكنعانيين والآكاديين في بلاد بابل ؛ رأينا أنها كانت واحدة لدى الفريقين هناك ، وأنهم كانوا سواء في ذلك الاستعمال مع من بقي منهم ـ معاصراً لهم ـ في مواقعهم التي خرجوا منها في جنوب جزيرة العرب ، وبقوا أيضاً على تسمياتهم الأصلية كالمعينيين والقتبانيين والأوسانيين وغيرهم ، بدليل أن الآكاديين الذين كانوا يستعملون تلك الضمائر بحرف الشين وجدنا من الكنعانيين من كان يستعمل نفس الاستعمال الشيني … حتى من كان يستعمل تلك الأدوات من الكنعانيين بحرف السين ؛ وجدنا من الآكاديين من كان يستعمل استعمالهم ( شاشو ـ ساسو ) ( 3) … ولا يعد هذا اختلافاً في الاستعمال بينهم ؛ لأن الحقيقة تقول : إن من كان يستعمل استعمال (( الشين )) يعني أن الموقع الذي خرج منه أصحاب هذا الاستعمال في جنوب جزيرة العرب كانوا ينطقون هذه الأدوات بالشين ، ومثلهم أصحاب الاستعمال (( السيني)) .. إذن فهو تنوع في الاستعمال مرده اختلاف المواقع التي خرجوا منها في جنوب جزيرة العرب … بدليل أن من بقي منهم في تلك المواقع ـ وكانوا معاصرين لهم ـ كانوا يمثلون نفس الاستعمال(4) …. ، بدليل أن أصحاب هذه المواقع وإلى الآن ، لا يزالون محافظين على ذلك التنوع في استعمال ضمائر الغيبة ؛…… فبطون بني معين والغمر ـ على مقربة من جبال العبادل ، وبني مالك تجد الكثير منهم ـ لا يزالون ـ يستعملون هذه الضمائر بالشين في أولها ،… في حين نجد في جهات قيس وسلى ومن حولهم لا يزالون يستعملون (( سا ـ سي )) ، أما جهات الريث ومنجد وهروب وما حولهم شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً (5) .. يستعملون الاستعمالين (( شا ـ شي ـ سا ـ سي )) وإلى الآن …. وليس هذا فحسب ؛ بل هناك من التأكيدات على عروبة ومعننة من سموا بالكنعانيين الكثير الكثير ؛ … فمثلاً جبال محافظة فيفا ـ القريبة من الموقع ـ ؛ نجد بعضاً من قبائلهم يستعملون (( ضمير جمع المتكلم نحن )) على صورتين ؛ إذ نجد منهم من يستعمل هذا الضمير على صورة (( انحن)) ومنهم من يستعمله على؛؛
(1) تاريخ اللغات السامية ، ولفنسون: ص 29ـ30. (2) ولفنسون ص53. (3) فقه العربية القديمة :ص155ـ156. (4) مختارات من نقوش يمانية :ص95. (5) هذه كلها مواقع حول الموقع الذي اكتشفناه في جبال منطقة وادي جازان ، جنوب المملكة العربية السعودية الآن.
صفحة 11
صورة (( نحن)) (1) .. ؛ وهذا الاستعمال نفسه وجدنا رواة التاريخ اللغوي يقولون: إن الكنعانيين كانوا يسـتعملون (( )) = ويقصدون بها (( انحن )) بمعنى نحنى في بداية الكلام للتنبيه … ووردت أيضاً : (( )) = ويقصدون بها (( نحن )) بدون ألف تنبيه ..) (2).. أما ضمير المتكلم المفرد (( أنا )) فهو كما في الآكادية (( أنكه ))(3) … وقد وجدنا هذا الضمير في الموقع يستعمل هكذا (( أناكه )) ، أما استعمال (( أنكه )) ؛ فيقصدون به ضمير المخاطب (( أنت )) ، كما ستأتي الإشارة إليه بمشيئة الله تعالى …)(4)0 إذن فلسان أهل هذا الموقع وماحوله ـ قديماً وحديثاً ـ ، تشهد بمعننة الكنعانيين والآكاديين ـ البابليين ـ ، وكذلك كل من كانوا خارج جزيرة العرب ، وهم من جنوبها رحلوا ، … بدليل أن استعمال تلك القبائل الراحلة ومن بقي منهم بهذا الموقع وما حوله ـ لضمير المخاطب (( أنت )) كان ينطق ـ كما يقول التاريخ اللغوي ـ في الآكادية القديمة بنفس النطق الصحيح في عربية للقرآن الكريم ، (( أنت )) ؛ في حين نجد نطقه في الآكادية الوسطى هكذا ( أتّ ) ، كذلك كان الأمر في الكنعانية (( أنت ـ أتّ ) ، وهذا ما أكده المستشرق (( رتشارد كابلس )) الذي عمل كتاباً في الآكادية ، وقد ذهب كابلس إلى أن (( أتّ )) أساسها في اللغة الأم (( أنت )) ، ثم يقول (( أنت )) آكادي أصل ، تاريخ مبكر (( 3200 ق ـ م )) و (( أتّ )) آكادي قديم ووسيط …) …(3) وإذا كان هذا هو ما كان يستعمل في الآكادية فهو أيضاً ما كان يستعمل في الكنعانية ، فقد رأينا في كل ما سبق أن كليهما كان الأمر فيهما واحداً … وإذا كان ماسبق في استعمال ضمير الخطاب كان يمثل مرحلتين من مراحل الاستعمال اللساني لكل أمة العرب عبر تواريخها ، فهذا الاستعمال لا يعني أن أولئك لم يكونوا من هؤلاء ، أبداً فالكل واحد ، بل ، إن استعمال (( أنت )) هو تمثيل ؛ لأن الفصيح هو الذي كان سائداً في هذه الأمم في بدايتها (5). أما استعمال (( أتّ )) فهو يمثل مراحل التبلبل والفساد اللساني الذي كانت تتردى إليه هذه الأمة عند تفرقها واختلافها وهذا التبلبل والفساد ؛ لم يكن خاصاً بهذه الأمم في خارج جزيرتها ، بل كل ما كان يحصل في الشمال ، يكون أساس حصوله في الموطن الأصلي لكل هذه الأمم وهو جنوب جزيرة العرب ؛ لأن ما يحصل هناك هو عين ما يحصل بداية في المواقع التي خرجت منها تلك البطون ، بدليل أنا وجدنا هذا التنوع في استعمال ضمير الخطاب ماثلاً في هذه المواقع ، كما سبق في ضمائر الغيبة والمتكلم المنفصلة ، وفي نفس الفترات الزمنية ؛ فمثلاً المعينيون ومن ورثهم ؛ ـ بعد رحيل أولئك ـ في هذه المواقع كاالسبئيين والقتبانيين والأوسانيين ، والمهريين ، وجدنا التاريخ اللغوي يقول : إن (( أتّ )) كانت موجودة عند المعينيين والسبئيين ، أما في الأحقاف والجبالية والمهرية فكانت هي (( هـ ـ ت )) ومعلوم أن (( هـ ـ ت )) هي (( أتّ )) ؛ لأن الهمزة تقلب (( ها )) في تلك اللهجات ؛؛ وهذا لا يعني أن؛؛
(1)تسجيلات صوتية وخطية من تلك المواقع أخذت ميدانياً . (2) فقه العربيات : ص150. (3) فقه العربيات ص150، راجع كابلس: ص : 115. (4) تسجيل ميداني موقع بني معين . (5) موضوع التبليل وبداية اللهجات العامية هذا باب قائم بذاته في كتاب (( الحلقة المفقودة الذي أخذنا منه هذه العجالة .
صفحة 12
(( أنت )) صريحة لم ترد في المعينية والسبئية وأخواتها ، بل العكس صحيح ، إذ أن (( أنت )) وردت في اللهجات المعينية والسبئية … (1)؛؛ ولم يكن استعمال (( أنت )) و (( أتّ )) ، بل نجدهم يقولون : إن هذا الاستعمال نجده في الأرامية مع تغيير طفيف في استعمال (( أتّ… أت ….)) ، أي أن في الأرامية (( أنت وأتّ ، وأت ، anta ، att ، at )) (2). إذن فقد كان هناك ثلاثة استعمالات لضمير الخطاب (( فأنت )) ، تمثل الفصيح في التاريخ المبكر ، ثم الوسيط وهو (( أتّ )) ثم الشاذ المتبلبل وهو (( أت )) مخففة ، وهذا يجلي لنا أمراً خطيراً ، وهو أن هذا التبلبل يُعد تاريخاً أصيلاً لبداية نشوء اختلاف الألسن وتباينها ، وهو ما سمي فيما بعد باللهجات ، … وهذا التباين يؤكد لنا ـ أيضاً ـ أن الأصل في هذا الضمير هو (( أنت )) ، وأن (( أتّ ـ وأت ـ وهت ـ وأك …)) هي أصول ميلاد تلك اللهجات المتباينة والتي سميت فيما بعد لغات وهذه الإشارة ، يؤكدها الحاضر ، الذي قالوا عنه إنه شاهد وبرهان للماضي ، وذلك أن في جنوب جزيرة العرب مواقع ـ التي نتحدث عنها ـ حفظها الله تعالى ، وحفظ من يتعاقبون ـ تناسلاً ـ عليها من أن يختلط بهم غريب ، أو يداخلهم دخيل ، وهي المواقع التي اعتبرناها ولسان أهلها (( الحلقة المفقودة في إثبات عروبة وعربية من رحل عنها قديماً ، وجدنا أن كل ما يوجد على ألسنة أولئك الراحلين قديماً ، من خصائص وصفات ، وجدناه بعينه موجوداً على ألسنة هؤلاء المعاصرين لنا ، ولا يقبلون غريباً بينهم ، وكذلك على ألسنة أجدادهم الذين تعاقبوا بعدهم … فمثلاً .. ، ضمير الخطاب بمراحل استعماله (( أنت ـ أتّ ـ أت ـ أك )) وجدناها ـ الآن ـ بعينها في هذه المواقع ، كما سبق أن أشرنا لوجودها فيها قديماً … فمثلاً جهات : القيوس وسلى ، يستعملون ـ الآن ـ وقديماً ـ (( أتّ )) أما قبائل الغمر وامتدادهم فيستعملون (( أت )) مخففة ، أي بدون تشديد ، وعلى مقربة منهم مواقع (( العبادل وقبائلهم )) نجدهم يستعملون (( أكّ )) أي أنهم ينطقون التاء المشددة نطقاً مفخماً ، أي أنه نطق أقرب إلى حرف الكاف لتقاربهما مخرجاً ، لكن المنصت المدقق يدرك أنه تاء مفخمة ( 3)… أما الريث وهروب ومنجد وهم من يطلق عليهم جهات الشام فنجد منهم من ينطق (( أنت )) كما هي ، ومنهم من ينطقها (( أت )) بعكس قبائل فيفا الذين وجدنا أنهم جميعاً ينطقون (( أنت )) ( 4).. لكنك سرعان ما تفاجأ بقبائل من بني معين ـ( أصحاب الموقع المتحدث عنه ) ـ ، وهم بين فيفا والعبادل فإنهم ينطقون (( أنت )) ـ (( أنكه )) ومثلهم بني ودعان وآل محمد ، وهذا ما يجعلنا نجزم أن (( أنكه )) في الآكادية والكنعانية ، والتي ترجمها المستشرقون أنها تعني ضمير المتكلم (( أنا )) ، نجزم أنها ليست كذلك ، بل هي تعني ـ كما سبق أن أشرنا سابقاً ـ (( أنت )) ، بدليل وجودها في موقعها الأصل الذي كانوا فيه قبل رحيلهم منه …. وهذا التباين لضمير الخطاب (( أتّ ـ أت ـ أك ـ أنكه ـ هت )) لا يعد تطوراً زمنياً ، أي أنه أخذ يتطور ، إلى أن وصل إلى (( أنت )) الذي يعد الآن هو الفصيح في اللغة ، بل رأينا أن (( أنت ))؛؛
( 1) تاريخ السامية، ولفنسون : ص15. (2) المرجع السابق :ص 15. (3) علي يحيى جابراللغبي ، ومحمد قاسم اللغبي ، وسلمان اللغبي من العبادل : تسجيلاً. (4) محمد بن مسعود الفيفي : لهجات فيفا = مخطوط .
صفحة 13
التي يعدها اللغويون رمزاً للفصيح ، كانت موجودة بين ذلك الكم اللهجي الهائل ، والمتأرجح بين البعد الخالص (( هت)) أو البعد المتوسط (( أك )) ، أو القرب المتوسط (( أت ـ أتّ )) ، أو القرب الخالص (( أنكه )) من الفصيح (( أنت )) وعلى هذا فليس هناك ، تطور ، لأن الفصيح ذاته كان موجوداً بين ذلك التباين النطقي لهذا الضمير ،… لأن من كان ينطق (( أتّ )) وجدنا عند التتبع والتحليل أن (( أتّ )) هي نفسها (( أنت )) إلا أن حرف النون الموجودة في (( أنت )) هي ظاهرة ولكنها أدغمت عند النطق في (( أتّ ـ وأت )) وهذه الحقيقة أكدها لي أحد أبناء الريث (1). حينما سألته عن سبب نطقهم (( أنت )) (( بأتّ )) فأجابني أن (( أتّ )) هي (0 أنت )) بذاتها عندهم ، إلا أنهم يدغمون حرف النون في التاء إدغاماً أنفياً ـ بغنة ـ ، فيظن السامع أن ليس هناك نون ، بينما هي موجودة ، والمنصت المدقق يجد ذلك واضحاً ، وليس في نطق (( أتّ )) فقط … بل هناك كلمات كثيرة ، تجد أبناء هذا الموقع وكل المواقع التي حوله ينطقون هذه الكلمات بنون مدغمة فيما بعدها أو قبلها ، فيسمعها السامع وكأن ليس بها حرف النون مثل كلمة (( أفّ )) ـ أي (( أنف )) هذه الكلمة إذا قلت لعبدلي من ـ العبادل ـ أنطق كلمة أنف كما هي في لهجتكم ، فلن ينطقها إلا (( أفّ )) ومثله أهل الريث وبني معين وغيرهم كثير … إذن فلا نغالي حينما نقول إن الآكادية ومنها الكنعانية ـ لأنها هي هي ـ ، قد هاجرت من هذا الموقع ـ المسمى (( ببني معين وما حوله )) ، .. لأن هذا الإدغام بعينه وجدنا علماء التاريخ اللغوي يقولون : (( ونجد بالآكادية الوسطية كلمة (( أنت )) هي (( أتّ )) وفي الآكادية القديمة (( أنت )) .. ونفس هذا نجده أيضاً في الآكادية والكنعانية ـ إذ نجد أن كلمة (( أنف )) ، هي في الوسيطية : (( أفّ )) ، بينما هي في القديمة (( أنت )) (2) ، … إذن فهو تباين لساني ، اختلاف لهجات لقبائل وبطون بعضها من بعض ؛ سواء كانت هي في مواقعها هنا، كما سبق آنفاً ، أو من كان منهم هناك وهو في أصله منتقلاً من هنا …. فإذا كنا قد رأينا ذلك هناك ، فقد رأيناه هنا أيضاً ، كما في العبادل والغمر والريث ومنجد وهروب وغيرهم ….. ، بل الأمر هناك لم يقتصر على الكنعانيين الذين كانوا في بلاد آكاد وبابل وحدهم ، بل ، ( قد وجدنا ذلك أيضاً في كلمة (( بنت )) إذ هي في التدمرية ـ الكنعانية ـ والمصرية الدارجة اليوم (( بتّ )) … ومنها (( بت زباى …))(3)… بل هي موجودة اليوم حتى في تهامة عندنا غورتهامه ـ إذن فهذا التنوع في النطق، إنما يعود لاختلاف المواقع التي انتقلت منها تلك القبائل والبطون ، إذ وجدنا أن (( أتّ )) ، هي (( أنت )) نفسها ، واختفاء النون فيها ، إنما هو اختفاء إدغام ، لأنها حرف أصلي في بنية الكلمة (( أنت )) بدليل أنا وجدنا بين بطون تلك ـ هذه ـ القبائل من ينطقها ـ أي النون ـ رغم تبلبل (( أنت )) نفسها على لسانه عندما ينطقها ، كما رأينا ذلك في بني معين (( الموقع )) وما حوله كبني ودعان والغمر وغيرهم..، الذين ينطقون (( أنت )) (( أنكه )) ، إذن فهناك من يصرح بهذه النون رغم تبلبل لسانه ، مما يؤكد
(1) هو مفرح الريثي . (2) ملامح في فقه العربيات القديمة. ص193.(3) ولفنسون : ص288.
صفحة 14
أصالتها ، وعدم صحة من يقول بزيادتها لبعده عن معرفة طبيعة ألسنة أهل مواقعها ، الأصلية في جنوب جزيرة العرب ، كصاحب كتاب (( ملامح فقه اللهجات العربيات )) الذي قال : (( وقد ذهب كابلس إلى اعتبار أصل الكلمة (( أنت )) … ونحن نشك في ذلك ونعتبر (( أنت )) تطوراً (( لأتّ )) ، بعد إدخال الحاشية ـ النون ـ لإظهار الهمزة والتاء حين توسطها …))(1) … وإذا كانت هذه المواقع تؤكد ألسنتها اليوم ، أن من سموا بالكنعانيين وآكاديين وأراميين ، هم عرب ومن هذه المواقع رحلوا ، بل إن من سموا بالكنعانيين هم معينيون ، ومن موقع بني معين وما حوله كان رحيلهم ، لأنا رأينا ….
عودة للخط والنقوش:ـ
اسم معين ودولتهم وقبائلهم يتكرر في خطوط نقوشهم هناك ، وإذا كان الخط الذي كتبت به تلك النقوش ـ المسماري ـ هو كنعاني الأصل باعتراف المستشرقين أنفسهم ، حينما قالوا: (( إن الكنعانيين هم الذين اخترعوا أبجدية الكتابة المختزلة للخط المسماري والهيروغليفي …. فلا غر وأن أصبح الخط الكنعاني أساساً لجميع خطوط العالم المتمدن في الشرق والغرب …)) (2). وإذا كان الكنعانيون هم مخترعوا أبجدية الخط المسماري ، الذي كتب به اسم المعينيين ودولتهم في نقوش آكاد وكنعان … أفيعني هذا أن الخط المسماري، هو خط معيني؟ .. وبهذا يكون الكنعانيون هم معينيون فعلاً ، كما تقول اللغة وتاريخها ؟…وهنا نستفتي سجل التاريخ الإنساني ، بعد أن استفتينا اللغة …. يقول أشد المستشرقين تعصباً ضد العرب ـ هو مل ـ : (( إن الخط المسند هو الأصل الذي اشتق منه الخط الكنعاني .. ودليله على ذلك ، إن نماذج من الكتابات المعينية التي وصلت إلينا؛ هي أقدم من النماذج الكنعانية …(3)، … ولذلك يرى ولغنسون أن أسباب سهولة حل رموز حروف المسند على المستشرقين إنما يرجع لشدة تشابههما مع الكتابة الكنعانية القديمة …(4)،…. بل يذهب مرجوليوث إلى أبعد من ذلك حينما يؤكد تواجد المعينيين ، ومن بعدهم السبئيين في بلاد آكاد وبابل ، وذلك من خلال قوة التأثير الذي كان لهم في كل الأمم التي كانت مجاورة لهم هناك ، كما اتضح لهم ذلك من خلال الكتابات القديمة التي كشفت في مدينة (( أور ـ u r )) بالعراق ، وهي من أقدم المدن وأعرقها في الحضارة السامية القديمة ، وقد وجدت هذه الكتابات محفوظة بالقلم المعيني …… ووجود كتابات عربية في تلك الناحية إلى عصر بالغ من القدم هذا المبلغ ، لهو من أكبر الأدلة على صحة ما ذهبنا إليه من وجود حضارة سامية في جنوب بلاد العرب منذ زمن بعيد في التاريخ القديم ….))(5) …. ومن هذه العجالة التاريخية تلاحظ أن لغة وقلم من سموا بالكنعانيين ، تشهد أنهم معينيون ، وتشهد أيضاً أنهم كانوا في بلاد (( أور )) يعتزون بأسماء أصولهم
(1)الحلقة المفقودة للمؤلف / عبد الرحمن الرفاعي :ص46ـ 53. (2) ولفنسون :ص54.( 3) ص5sudarabischechrestomathie.(4)ص109ـ135.Ephemevis : ErsterBand.. (5) ص7 ،27 mavjolioth:relationbetweenarabs&lsvaelites
صفحة 15
وأنسابهم المعينية والسبئية …. وتشهد ـ أيضاً ـ أنهم كانوا في بلادهم الأولى أصحاب حضارة عريقة موغلة في القدم ، وأن أبجدية تلك الكتابات هي أبجدية معينية سبئية .. بل وتدحض من أراد أن يمزق ـ بحقده ـ أواصر قربى المعينية بين من كانوا هناك ومن بقي منهم هنا ، بل تجعل ما جاءوا به من حجج نفي حجج إثبات ، كقولهم : (( إن حروف المسند ، هي الأبجدية العربية … أما الخط الكنعاني ، فينقص عنها حروف (( ذ ـ ض ـ ظ ـ س ـ ( 1)…..)) ، وهنا نقف ونسأل : هل فعلاً كانت حروف المسند ـ العربية ـ ، هي غير الأبجدية الكنعانية؟ … ثم كيف تكون أبجدية المسند هي غير الكنعانية؟ … وعند التدقيق نجد أن الحجة التي أوردوها على ما أرادوه ، تدحض ما قالوه … إذ كيف تكون أبجدية الخط الكنعاني ، هي غير أبجدية المسند ، لإنتقاصها بعض حروف أشاروا إليها ؟ أيعني ذلك أن بقية حروفها هي حروف مسندية ؟ …. كلام لا يقبله منطق … لأنه كلام آخره ينقض أوله …. بل هم أول من نقضه … وفي نفس الصفحة بقولهم: (( إن حروف المسند بالنسبة للخط الكنعاني تنقسم إلى ثلاثة أقسام :ـ
الأول: حروف تتفق تمام الاتفاق مع أمثاله من الخط الكنعاني …حتى ليعد ذلك تقليداً دقيقاً لها وفيها (( ج ـ ط ـ ل ـ ن ـ ع ـ ش ـ ق ـ ت ـ ,….)) ؛؛
الثاني : حروف دخل عليها شيء من التغيير نحو (( د ـ ر ـ ح ـ ك .. )) ؛؛
الثالث : حروف بعدت تماما عن أصولها الكنعانية نحو : (( ز ـ ص ـ س ـ م..) (2) .. وإذا كانت حروف المسند والكنعاني لا يخرجان عن بعضيهما بصورة عامة ؛ وإن حاولوا أن يقسموها إلى ثلاثة أقسام ، إذ عند التركيز عليها نجد أنهما لا يخرجان عن بعضهما ، فكون جزء منها يعد تقليداً لما يقابله لما سمي بالكنعاني ؛ يؤكد عروبتهما ووحدة مكانهما ، .. أما الجزءان الآخران ؛ فقد سبق أن رد بعض المستشرقين على زملائه بجواب ينسف أمر هذا التقسيم ، وإن كان فيه تعميم ، وهو ما سبق أن قاله ((هومل )) : (( إن الخط المعيني هو الأصل الذي اشتق منه الخط الكنعاني ..)) .. وإذا كان الكنعاني قد اشتق من المسند المعيني ؛ فكيف تكون حروف أبجدية المسند عربية ، والكنعاني غير ذلك ؟ إذن فيما كان الاشتقاق ؟ .. وكيف يكون مثل هذا ؟ وهناك الكثير من الباحثين يقول : (( إنهم وجدوا كتابات كنعانية تشبه حروفها الحروف العربية القديمة ، أي أنها حروف المسند ذاته ، وأخذوا من ذلك أن أولئك المهاجرين حينما انتقلوا إلى العراق ، نقلوا معهم خطهم القديم ، ثم أخذوا يطورون خطوطهم حينما استقروا هناك …)) (3) … وإذا كان الباحثون المخلصون يؤكدون أن الكتابة التي سميت بالكنعانية هي معينية الأصل ، .. فهذا يؤكد ـ أيضاً ـ أن من سمي بالكنعانية هناك هم أصلاً معينيون .. أما قضية الحروف التي حاولوا أن يدخلوا من خلالها لإثبات ما يريدونه .. فإن الدارس المدقق يجد من خلال الإشارات الموجزة (4) ـ السابقة ـ ،
(1) ولغنسون،ص211.(2)ولغنسون،ص210.(3)المفصل : 568ـ569/1. (4) لأن هذا الموضوع بإيجاز من كتاب الحلقة المفقودة في عربية الساميات، للباحث نفسه.
صفحة 16
قضية الحروف:ـ
عدم وجود أي خلاف في ذلك ؛ لأن الأمر واحد ؛ لكون التاريخ اللغوي ؛ يقول ـ بإيجاز ـ (( وقد كانت البابلية لا تمتلك الحروف (( ع ـ ح ـ غ )) … وهي حروف حلقية .. ولا حروف (( ط ـ ظ ـ ص ـ ق )) .. وهي من أحرف التفخيم …))(1) .. وهنا نقف ونسأل : هل فعلاً كانت تلك اللهجات تفتقد لتلك الأحرف أو غيرها ؟ …. وهل يعني فقدانها لها ـ إن صح ـ دليل على كونها غير عربية ؟ … والحقيقة أن الأمر لم يكن كما تصوره أولئك المستشرقون ومن صار على نهجهم … وذلك لأسباب كثيرة ، منها أن تلك الألسن ـ هناك ـ لم تكن لغات كما أرادوا ، بل هي لهجات نشأت متباينة قرباً وبعداً من اللسان الأم ـ العربية الأولى ـ نتيجة لتبلبل ألسنة أصحابها ،(2)… ومنها أن تلك اللهجات لم تكن تفتقد لتلك الحروف التي أشير لعدم وجودها في تلك اللهجات بل كانت موجودة فيها ولكن نطقها في تلك اللهجات القديمة كان يحصل فيها بطرق متعددة حسب فترات التبلبل اللساني التي كانت تحصل بين حين وآخر ؛ سواء كان ذلك في مواقعها التي انطلقت منها في جنوب جزيرة العرب ،أو في المواقع التي استقرت بها خارج جزيرتها ..؛؛
من طرق نطق الأحرف في فترات تبلبل الألسنة :ـ
وتلك الطرق في النطق هي التي تجعل الباحث البعيد عن حقيقة طبيعة تلك الألسن وأصولها في مواقعها التي خرجت منها في جنوب جزيرة العرب يقول بعدم وجود تلك الأحرف ، وهذه الحقيقة لا يدركها إلا من كان من أبناء أصول مواقعهم تلك ، وهذا ما صرح به بعض من أبناء هذه المواقع المعاصرين ، وهم لا زالوا يحافظون على طرق ذلك النطق المتبلبل كما حصل في عهوده الغابرة ، يقول ، : (( إن نطق الأحرف بالأسلوب القديم ، هو الذي يحول بين المتلقي وبين فهم المعنى المراد من الكلمة التي يشوبها النطق بذلك الأسلوب … إذ قد يعتقد المتلقي أن في تلك الكلمة حرفاً غريباً لا يعرفه ، مما يبعد الكلمة عن الفهم … ولو تم تذوق تلك الأحرف بشكل صحيح لما أبعد المستمع عن فهم معنى تلك الكلمة (3)….))؛؛وهذا يوضح ـ كما ترى ـ أن هناك أسلوباً خاصاً لنطق مثل تلك الأحرف ، التي ظن الكثير ممن لا علم لهم بكيفية ذلك النطق أنها مفقودة ، أو أنها أحرف أخرى مما لا يشير إليها ، في حين رأينا أن الحقيقة تقول بغير ذلك تما ماً …. أما الأسلوب الذي أشير إليه فإني أرى أنه يتبلور في أساليب :
ـ القلب.
ـ الإبدال.
أو الدمج والدمغ. أو دمغ بعض الحروف في بعض، كما رأينا ذلك في النون الأنفية عند دمغها في التاء ـ (( أتّ )) ، أو الفاء ـ (( أف )) ـ … ، أو كما يقول أبناء المنطقة من : (( أن هناك أحرف تنطق بطريقتين ، حديثة ، وقديمة ، ومن أمثلة
(1) ولفنسون،:42ـ211. (2)يستحسن أن يرجع لهذا في الحلقة المفقودة إلخ ..، (3) العربية القديمة :ص75.
صفحة 17
عبدالرحمن الرفاعي
صفحة 1
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة
التاريخ حقائق علمية و وقائع زمنية ، وجازان تاريخ وحضارة، جبال وسهول وجزر، والبحث العلمي والتاريخي والتراثي يلقى تجاوباً من الطبيعة ، و في ا لطبيعة يجد الباحث نفسه في دوامة التاريخ ، فما عليها كفيل بالبحث والمتابعة حتى الوصول إلى قناعة تاريخية تراثية بالدليل العلمي الموثق ، وطبيعة الجبال في منطقة جازان تحتاج إلى الباحث الصبور والطموح ، ومؤلف الكنعانيون معينيون من جازان الباحث والأديب والكاتب الأستاذ/ عبد الرحمن محمد يحيى الرفاعي قد جاء محققاً لهذا الأسلوب بجانب ما وصل إليه وحققه علمياً وتاريخياً وتراثياً ، فما كان لي ولأبناء المنطقة إن لم يكن كلهم فبعضهم بمعرفة ذلك بل وحتى سكان المنطقة ربما لم يكن لديهم ما يعرفونه عن الموقع الذي وقف عليه المؤلف. والمؤلف بحق (( من خلال قراءاتي المتكررة )) لما بين أيديكم ، قد بذل جهداً غير عادي في الوصول إلى حقيقة تاريخية نحتاج إليها ويحتاج إليها الأجيال بل وعلى إدارة الآثار بوزارة الثقافة والإعلام والسياحة ودارة الملك عبد العزيز ـ يرحمه الله ـ الاطلاع على هذا المؤلف والاستفادة مما جاء به من حقائق علمية وتاريخية وتراثية ، ومن الأنسب أن يكون هناك اتصال مع المؤلف والوقوف على الأماكن الأثرية والتاريخية بمنطقة جازان فالأجيال بحق يحتاجون إلى معرفة تاريخ ذلك ، ثم أن ما أشار إليه المؤلف جدير باهتمام لجنة السياحة ، وجدير باستثمار هذه المواقع من شركات متخصصة ، فكل جديد مرغوب وكل جميل مسبوق ، أحيي في الأستاذ المؤلف روحه وصبره وعلمه ، وأتمنى له دوماً التوفيق ؛؛
محمد أحمد سالم بريك
======
صفحة 2
تمهيد
طُلب مني أن اكتب عن موقع أثري ذي أهمية تاريخية كبيرة بمنطقة جازان قديماً، فاحترت ، ولحيرتي أسباب كثيرة جداً ، منها كثرة المواقع الأثرية وتنوعها بمنطقة جازان ، إذ كل واحد منها يمتاز بميزات تاريخية لا توجد في غيره ، ثم إن هذه المواقع منها ما هو معروف ومعلن ومسجل رسمياً لدى الجهات المعنية بالآثار، ومنها ما هو غير معروف ولا مسجل ، وهو كثير ، ولأن من طلب مني الكتابة غالي عليّ جداً ، رأيت أن أخصه بشيء ذا شأن ، فقررت أن أوجز له بحثاً عن موقع أثري من النوع الثاني ـــ الغير معروف ـــ كنت آثرت تأخير الحديث عنه ، لوقته، …. فاخـترت له موقعاً بالجزء الجبلي من منطقة جازان ، ذو أهمية مزدوجة ، تاريخية، لغوية ، … وقد عثرت عليه أثناء بحث ميداني لي في هذا الجزء الجبلي قبل أربعة عشر عاماً ، إذ كنت وقتها أقوم بتسجيل بعض لهجات تلك المنطقة ، وقد صدرت في كتاب بعنوان (( الحلقة المفقودة في امتداد عربية اللهجات السامية)) … وأثناء ترددي على مواقع تلك المنطقة، ذات الطبيعة الساحرة ، الماء والخضرة والوجه الحسن، كما يقولون ـ ، في هذه المنطقة الجميلة عثرت ــ مع بعض الزملاء ــ على هذا الموقع الذي استمر ترددنا عليه ، …. وقد قمنا بتصويره ، مع تسجيل كل ما عنّ لنا من ملاحظات حوله … ثم إن طبيعة البحث الذي كنت أقوم به هناك فرضت عليّ الاهتمام به كثيراً ؛ لأني وجدت أنه يرتبط بما أقوم به …. إذ بعد دراسة تلك الملاحظات التي كنت أسجلها حوله وتحليلها ؛ اتضحت أهمية ارتباطه بما أقوم به ، فقد وجدت فيه دليلاً يؤكد عراقة ارتباط : ألسنة تلك اللهجات التي تعرف بالساميات ، بأهل هذه المواقع ، ولا سيما هذا الموقع ومن كان فيه…. وهذا الموقع : هو عبارة عن صور كبير مدمر ، بداخله آثار مدينة كبيرة مدمرة أيضاً ، حولها مقابر أثرية تاريخية كبيرة ، بل به معبد كبير ضخم لا يزال قائم أكثره ، به نقوش مسندية قديمة وأنصاب لا تزال قائمة ،وأشياء كثيرة مهمة تستحق نظرة هيئة الآثار إليها ،… وقد كتبت عنه بتوسع في البحث الآنف ذكره ،…. بل وتعرضت له في بحث آخر كان بعنوان (( جدة والكنعانيون بفرسان )) نشر قبل فترة ،… ومن أهمية هذا الموقع ـ أيضاً ـ ، كونه يعد همزة وصل بين القبائل الذين أطلق عليهم مصطلح الكنعانيين وبين من بقوا على تسميتهم بقبائل معين أو سبأ ، … أذكر أنني حينما سألنا بعض كبار السن من أهل هذا الموقع ـ وما حوله ـ ، بادر الكثير منهم ، بأن هذا الموقع هو خرائب مدينة (( قرنو )) إحدى مدن معين ، بل الكثير منهم أصر على ذلك ، بل هناك ما يجعل الباحث يقف عند ما أصروا عليه ، وهو أن هذا الموقع الأثري يقع في منطقة واسعة تدعى ببني معين ـ وإلى الآن ـ ، وشيء آخر ، هو أن منطقة آثار معين ـ الدولة ـ (( لا تبعد عن هذا لموقع بعداً يمنع من شد الباحث، وهناك أمور كثيرة تدعو مؤسسات الآثار للتنقيب والبحث في هذا الموقع وأمثاله لكشف ما تستره تربها وخرائبها من كنوز كشفها يعيد كتابة التاريخ وصياغة نظرياته ،…. فهل من مجيب؟ أما جهدي الفردي فقد واصل عمله ، إذ قمت بدراسة وتمحيص وتحليل الملاحظات التي استطعنا تسجيلها أثناء ترددنا لهذا
صفحة 3
الموقع ، وهنا سوف أوجز ما توصلنا إليه منها ، ومن أراد التفصيل فليرجع للبحث الأم السابق ذكره،… فمما توصلنا إليه :ــ
ـ كون الكنعانيون هم معينيون ، وأنهم كانوا من ضمن إخوتهم المعينين الذين كانوا متواجدين في هذه المواقع ، بدليل شهادة هذه المواقع ـ آثارها ـ وتواجدهم فيه قبل رحيلهم لأن نفس الآثار التي وجدناها في هذا الموقع لا تختلف في شكلها ومضمونها عن تلك الآثار التي وجدت في مواقع الجوف ولا عن الآثار التي وجدت في بلاد الرافدين أو الشام أو فلسطين ، أو في جزيرة ريدوس اليونانية وغيرها من الآثار التي نسبت لمن سموا بالكنعانيين وهم أصلاً معينيون ، فالمعبد القائم في هذا الموقع لا يختلف عما وجد من معابد نسبت للكنعانيين أو للمعينيين صراحة ، كذلك بقايا السور الذي يحيط بالمدينة المهدمة ، والتي كانت قائمة حول المعبد وأشياء أخرى كثيرة تشير أن من أطلق عليهم مصطلح (( الكنعانيون )) هم معينيون ، لأن مصطلح التسمية هذا ، لا يعني أنه مصطلح نسبي ، لأن أكثر مؤرخي الساميات كادوا أن يجمعوا على من سموا بهذه التسمية هم آتون من جزيرة العرب ….؛؛
التسمية بالكنعانية غير صحيحة وهذا الدليل :ـ
وإذا كانوا كذلك، فالتاريخ يقول لم يكن في جنوب جزيرة العرب أب لقبيلة يدعى كنعان ، أو مكان اسمه كنعان يمكن أن ينسب إليه هؤلاء القوم ، بل رأينا التاريخ يقول : إن التسمية لحقتهم بعد خروجهم من جنوب جزيرة العرب ، وقد تحدثنا بإسهاب عن هذا الموضوع في بحث (( جدة والكنعانيون بفرسان)) ونضيف هنا ونقول: إن التسمية كانت لسببين ، الأول ما سبق أن أشرنا إليه في البحث السابق ، وملخصه أن : (( أولئك المهاجرين لم يكن انطلاقهم من جنوب جزيرة العرب من جهة واحدة ، بل كان ذلك من أماكن وطرق متعددة ، فالفينيقيون رأيناهم قد لزموا في رحلتهم الطرق الشرقية سواءً كانت داخلية عبر الجبال والطرق الصحراوية ، أو كانت عبر الشواطىء الشرقية كبحر العرب… في حين نجد فريقاً آخر تجمعهم بالفريق الأول رابطة الأبوة ، إذ الجميع من نسل عمليق … ومع ذلك خالفوا إخوتهم الفينيقيين طرق رحلتهم ، حتى كان لتلك المخالفة عليهم أثراً لدرجة جعلت صفة لهم لتتحول بعد ذلك لقباً ونسباً لا يعرفون إلا به وهو(( الكنعانيون )) وذلك لكنوعهم وميلهم في سيرهم عبر طرق خالفوا فيها طرق إخوتهم،… (1) … وهذا ما أكدته لغة العرب ولسانهم جميعاً عن مادة كنع : فكنع كنوعاً : انقبض وانضم.. وفلان كنع : أي لان وخضع .. وكنع النجم : أي مال للغروب ، … والكنيع : هو العادل عن طريق إلى غيره … ؛؛
__________________________________________________ _
(1) (( الحلقة المفقودة في امتداد عربية اللهجات السامية ـ عبد الرحمن محمد الرفاعي ص 28ـ 29.))
صفحة 4
والكنعانيون هم أمة تكلمت بلغة تضارع العربية … وكنع عنه : أي عدل عنه ومال ناحية أخرى … وكنع: أي اجتمع وعليه تعطف … والليل حضر ودنا … )) (1) … وعند المادة اللغوية نقف قليلاً ، فهي رغم كثرة مداليلها ودلالاتها المعنوية ، إلا أنها تكاد تحصر في عموم مدلولين ، الأول : هو العدول والميل عموماً ، وأهم مدلول لهذا الوجه ـ كما رأينا ـ هو أن الكنوع يطلق أساساً على كل من عدل عن طريق إلى آخر ، … وكذلك : الميل نحو ناحية مخالفة لما عليه الآخر ، وخصوصاً الميل والاتجاه ناحية الغرب ، أما الوجه الآخر: فأهم دلالاته هي الاجتماع والانضمام، ومنه الالتصاق والإلتزاق، وفي هذا المدلول يدخل مفهوم آخر يرتبط بمدلول جمالي تشخيصي ، لذلك قالوا : أنوف كانعة … وأظن أن من خلال هذه المداليل جاءت تلك الصفة ( الكنع ) ـ الميل والعدول ناحية الغرب ـ لأولئك القوم الذين أصبحوا لا يعرفون إلا بها ( الكنعانيون ) ، فقد ورد أن هذا الفوج قد اتجه في سيره ناحية الغرب ، وقد انقسموا عند خروجهم من موقعهم ، فمنهم من سلك طرقاً ـ وإن كانت غربية ـ إلا أنها كانت داخلية ، عبر جبال السروات إلى الحجاز ـ مكة والمدينة ـ ، والقسم الآخر سلك طريق الشواطىء والسواحل.. ( 2 ) … وإذا كانت هذه الأفواج قد مالت في رحلتها ناحية الغرب ، وبذلك سموا بالكنعانيين ، فإني أرى أن الموقع الأثري الذي نتحدث عنه وما حوله من مواقع كان موقعاً رئيسياً وأساسياً لتلك الجموع التي رحلت وعرفت بالكنعانيين فيما بعد ، وذلك لأسباب كثيرة:ـ
1ـ أن لفظة كنع لازالت موجودة في لهجات الموقع و ما حوله من مواقع ، أي اللهجات الخاصة ، التي يتحدثون بها فيما بينهم فقط ، و التي سبق أن تحدثنا عنها في كتاب الحلقة المفقودة و اعتبرناها الحلقة التي تربط بين عربية اليوم و عربيات الراحلين إلى الشمال بألسنتهم العامية، يقول أحد أبناء موقع فيفا القريب من الموقع المتحدث عنه إن مادة (كنع) لازالت موجودة في لهجات مواقعهم الجبلية ، و لا سيما فيفا والموقع ـ المتحدث عنه ـ ، و إن حدث لها بعض التغيير نتيجة لتغير طرق النطق الخاص بمواقعهم ــــــ كما سبق الحديث عن ذلك ـــــــ ، فكنع إن نطقت يسمعها السامع العادي هكذا ( كع ) بدون نون ، و الحقيقة أن النون موجودة إلا أنها مدغمة ــــ كما سبق الإشارة إلى ذلك ـــــــ ، كما درجت العادة في نطق الثلاثي من لهجات فيفا ، …… ثم إن أصحاب هذه اللهجة لهم نطق خاص بالكاف ، تحسبها شيناً مع تاء إن نطقوها ، فحينما يريدون نطق ( كنع ) يقولون : (تشنع)،وهي تساوي كنع في مداليلها ، من ميل و ضم الخ…… (3) إذن فلهجات الموقع تؤكد أن التسمية بالكنعانية ليست نسباً و لا اسماً لأب ، بل تعني أن القوم حينما مالوا نحو الغرب في رحلتهم وخالفوا اخوتهم الذين سبقوهم في طرق رحلتهم أطلقت عليهم صفة الكنع …. وليس هذا فحسب ، ما يؤكد معننة أولئك الذين سموا بالكنعانيين ، بل حتى مسميات فنون و أشعار الآداب الشعبية للموقع و المنطقة تؤكد هذه الحقيقة ، ففي لسان الموقع و كل ما حوله يوجد فن شعبي يطلق عليه فن الدلع ، وله شعر أيضاً يسمى بنفس التسمية (الدلع ) … (4) يقول الدكتور القبيسي ، أثناء تعليقه على قضية اللواحق في اللهجات السامية و الكنعانية خصوصاً: (( و تطابق مرادها جذراً و مدلولاً مع جذور و مداليل العربية القرآنية .
(1) القاموس المحيط : 80/ 3، لسان العرب : 316/ 8، ومثل ذلك تاج العروس وغيره من المعاجم اللغوية
(2)المفصل ، جواد علي : 532/1 (3) محمد بن مسعود الفيفي تسجيل مع تحريف بسيط من أجل صياغة الأسلوب
(4) تحدثنا عنه في كتاب ( الفنون الشعبية بمنطقة جازان ….
صفحة 5
يقول : ( (ونا)…. هذه اللاحقة ، هي في الواقع مركبة من اللاحقتين ، الأولى: الكنعانية (ون))، و الثانية هي الألف الآرامية و من أمثلتها ( دلعونا) من : (( دلع + ون+ا )) .. (ودلعونا) كلمة من كلمات ــــ مصطلحات ـــــ التراث الغنائي ( على دلعونا ) …….. و قد ذهب الموسيقار زكي ناصيف في مقابلة تلفزيونية بدمشق عام (1992م) مع السيد عادل يازجي : أن الدال هي سابقة عربية سريانية …. و نلاحظ هنا أن الدال في دلعونا هي جزء من الجذر ( دلع)…….(1) و إذ كانت دلعونا في الكنعانية هي رقصة غنائية مصاحبة بنوع من الشعر يسمى بنفس تسمية الرقصة ( الدلع ) ، و قد رأينا أن فن الدلع ــــ رقصاً و شعراً ـــ هو من أهم و أشهر رقصات الفنون الشعبية بمنطقة موقع هذا البحث أفلا يؤكد هذا جنوبية تلك العربية و معننتها ، و خصوصاً الكنعانية و أخواتها ….و خصوصاً إذا علمنا أن أحد الإخوة اليمنيين ــــ في الفترة الأخيرة ـــــ قد أكتشف قبل بضعة أشهر نقشاً ، قد نقش فيه اسم وادي جازان قبل سبعة آلاف سنة ، و قد عرضه في أحد المؤتمرات مؤخراً ….. و قد وجد هذا النقش على مقربة من منطقة موقع البحث …. أفلا يؤكد زمن تاريخ هذا النقش وجود اسم الوادي الذي ينبع من نفس الجبل الذي يوجد به الموقع الذي خرج منه من سمي بالكنعانيين ، لكونه متوافقا مع زمن خروجهم ، مما يؤكد معننة الكنعانيين و أنهم خرجوا من نفس هذا الموقع …..
1- ملامح في فقه اللهجات العربية من الآكـادية و الكنعانية و حتى السبئية و العدنانيةة: صـــــــ174
صفحة 6
2- إن تسعين بالمائة من مؤرخي السامية يؤكدون على جنوبية هذه الأفواج وعروبتهم … ويؤكدون ـ أيضاً ـ أن جميع الأمم السامية الأخرى لم تكن تعرف الكنعانيين بهذا الاسم ، ولا حتى باسم آخر قريب منه …(1) … و هذا يؤكد أن تسميتهم بالكنعانيين كانت تسمية طارئة ، وهو ما سبق أن أشرنا إليه ، … وهو كنوعهم عند خروجهم من موقعهم ناحية الغرب … كذلك يؤكدون على أنهم كانوا يتمركزون في مواقع جبلية تطل دوماً على الشواطىء والسواحل … وهذا ما ذهب إليه أكثر المستشرقين تعصباً ضد العرب حينما تحدث عن عروبة الكنعانيين وجنوبيتهم بقوله : (( وعلى العموم: فإننا نلاحظ أن هناك شبهاً كبيراً بين أقوام جنوب جزيرة العرب وبين الكنعانيين … فقد كانت بلاد كنعان ـ جبلية على أطراف البحر … وقد أنبتت حضارة مادية عملية تعتمد على ا لفلاحة والتجارة … وكذلك كانت أرض أقوام جنوب جزيرة العرب جبلية ، وعلى أطراف البحر … وهم قوم يقبلون إقبالاً شديداً على الحضارة العملية المادية ، مع العناية بالتجارة والزراعة …(2) … وإذا كان الكنعانيون ـ المعينيون ـ كانوا يسكنون المواقع الجبلية التي تكون قريبة من السواحل البحرية فإن هذا الموقع الأثري الذي نتحدث عنه لا يبعد عن البحر أكثر من (( 60ـ 70)) كيلوا متر ، ..ثم إن خضرة هذا الموقع وجماله الطبيعي ومدرجاته الزراعية المتوارثة إلى وقتنا الحاضر ، يشهد باشتغال واهتمام أهل هذا الموقع ـ وما حوله ـ بالعمل الزراعي والاتجار بمنتوجاتهم الزراعية … ناهيك عن فن العمارة التي يشهد بها المعبد القائم ـ أكثره ـ إلى وقتنا الحاضر ، وصور المدينة المدمرة ، وتنسيق القبور الموجودة إلى الآن ، كل ذلك يشهد بما كان عليه أهل هذا الموقع من حضارة عملية علمية ، بل إن كل الآثار الموجودة به ـ وما حوله ـ تكاد تكون نسخة من مآثر أولئك الذين سموا ( كنعانيون) سواء كانوا هنا أو في أي مكان حلوا فيه … بدليل ـ كما سبق في جدة والكنعانيون بفرسان ـ أن هذه الأفواج أخذت في تدحرجها من
(1) تاريخ اللغات الساميات ، ولفنسون: ص 57 (2) تاريخ اللغات الساميات ، ولفنسون: ص 213 .
صفحة 7
هذه المواقع في بداية رحلة هجرتها ؛ و رأيناهم يسكنون بلاد فرسان الواقعة على شواطىء البحر الأحمر ـ قبل العصر الحجري ـ ، فالمآثر التي وجدت بفرسان من مقابر وغيرها ، هي شبيهة تماماً بما هو موجود في هذا الموقع ، شأنها جميعاً شأن ما عثر عليه خارج جزيرتهم ونسب إليهم ، بل هناك أمور تؤكد تواجد من سموا بالكنعانيين في هذا الموقع وما حوله … وإذا كنا قد أكدنا على أن المصطلح ـ الكنعانية ـ لم يكن نسباً لهم فإن كشف هذا الموقع يؤكد ما سبق أن أشرنا إليه من أن هذه الأفواج ، هي أفواج معينية، وذلك لأسباب كثيرة ـ إضافة لما سبق ـ منها ، أن هذا الموقع يقع في أرض لا تزال تسمى إلى الآن ببني معين …(1) ؛؛ بدليل أن صموئيل لاينج في كتابه (( أصل الأمم)) يذهب إلى أن الساميين استوطنوا بلاد العرب ؛ وأنهم حيثما وجدوا في غيرها فهم غرباء ، وأن تقدمهم في الحضارة معرق في القدم ، ربما كان زمن تحول العصر الحجري ، تحولوا يومئذ عن القنص والصيد، إلى الزراعة والصناعة… وهو يشير بذلك إلى (( الدولة المعينية )) التي جاء ذكرها في سفر الأخبارـ الثاني ـ الإصحاح 26عدد 7 ،…. (( وقد عثر الباحثون على أمة بهذا الاسم ـ معين ـ ذكرت في أقدم آثار بابل سنة (( 3750 ق ـ م )) على نصب من أنصاب النقوش المسمارية (2).. أفلا يؤكد هذا أن الكنعانيين هم معينيون ، لأن النصب يشير إلى اسم دولة معين صراحة ، والنقش قديم جداً ـ الألف الرابع قبل الميلاد ـ ، ويلاحظ أن النصب ـ أيضاً ـ يشير إلى وجودهم على نفس الأرض التي قيل بوجود الكنعانيين بها إلى جانب الآكاديين والبابليين ، بل ويشير صراحة إلى أن المعينيين كانواأصحاب أقدم حضارة في تلك الأزمنة السحيقة ، وخصوصاً في الزراعة والصناعة ، … وأن رقيهم كان مرتبطاً بالجانب المادي، وهذا هو بعينه ما قيل عمن سموا بالكنعانيين ، .. وإذا كان المستشرقون يقولون: (( إن للكنعانيين غير تأثيرهم العلمي والصناعي على العالم المتمدن فضل عظيم آخر وهو تأثيرهم الديني في جميع الأمم السامية ، فقد كانت ديانتهم أرقى ديانات الأمم السامية الوثنية ، لذلك تأثرت بها ديانات بابل وغيرهم …))(3) … فهاهم المستشرقون أنفسهم يقولون : (( وبالإجمال نرى أنه ليس من السهل تقدير مبلغ تأثير الحضارة المعينية والسبئية على الحضارة السامية … غير
(1) تقع داخل الجزء التابع للمملكة العربية السعودية في جنوب جزيرة العرب. (2) تاريخ آداب العرب ـ الرافعي : 48/1. ، … الحلقة المفقودة في امتداد عربية الساميات : 31ـ 32/ المؤلف .
(3) تاريخ اللغات الساميات ص55.
صفحة 8
أننا نرجح أن هذا التأثير كان عظيماً ؛ لأن التغييرات الخطيرة والانقلابات العظيمة
التي حدثت في تاريخ الأمم السامية إنما كان سببها هجرة جموع سامية كثيرة من داخل الجزيرة إلى سوريا والعراق وفلسطين … بل كان مصدره جنوب جزيرة العرب ))(1) ؛؛ وإذا كان التأثير العلمي والصناعي والديني الذي نسب لمن سمي بالكنعانيين هو نفسه كان مصدره معين جنوب جزيرة العرب ؛ إذن فالكنعانيون هم معينيون ؛ لأن اسم الدولة المعينية وشعبها وجد هناك في أرض آكاد وبابل والشام وفلسطين … …. وإذا كان اسم معين وجد منقوشاً في أرض العراق ـ قبل أربعة آلاف سنة قبل الميلاد كدولة ـ ، إذن فهم كشعب كانوا أقدم من ذلك بآلاف السنين ، بدليل أنا وجدنا النقوش : (( الكنعانية كانت تتجه نحو الآراء الحقيقية البعيدة عن الخيال … كما كانت نقوش معين وسبأ مصبوغة بصبغة مادية أكثر منها خيالية ..))(2) ، … إذن فالخط الكنعاني هو نفس الخط المعيني …؛؛
الخط واللغة :ـ
والحديث عن الخط يجر للحديث عن اللغة ، لأنه عبارة عن رسم الحروف التي تكِّون ألفاظ تحمل معاني ؛ والحروف والألفاظ التي تحمل المعاني : تعني اللغة التي كان يتحدث بها أصحاب ذلك الخط ـ النقش ـ ، فهل كان لسان أصحاب من نقشوا النقوش التي نسبت لمن سموا بالكنعانيين ، هي نفسها لسان من ظلوا محافظين على التسمية المعينية ؟ …. وهل كان لسان أهل الموقع الذي نتحدث عنه، فيه ـ قديماً وحاضراً ـ ما يؤكد ارتباطه بمن سموا بالكنعانيين؟ …… ؛؛ إن الأصول اللغوية التي تؤكد إن هذا اللسان هو من هذا اللسان ، هي أمور منصوص عليها في أمهات اللغة وأصولها، ولا يختلف عليها مؤرخو اللغات؛ كأصول الضمائر بأنواعها ، والألفاظ التي تطلق على أصول الأشياء المستعملة في الحياة ، كأصول أعضاء الإنسان والحيوان والسماء والأرض ، وما شابه ذلك ،… فإذا أخذنا مثلاً الضمائر ، وبدأنا بالحديث عن ضمير الغائب المنفصل (هو) ، ورجعنا لمنطقة الموقع الذي نتحدث عنه ، فسنجد أن قبائل وبطون هذا الموقع وما حوله ؛ كان وما زال يتنوع نطقهم لهذا الضمير ، فقد كان منهم وما ـ زال ـ من ينطق هذا الضمير بهذه الصورة ( ش ـ هـ ) كصعدة والجبالية، والأحقاف ( شه ) بعكس مواقع المهرة وقبائلها ـ لا تبعد كثيراً عما نتحدث عنه ـ نجدهم ينطقون هذا الضمير ـ هو ـ على هذه الصورة ( هه ) ، أما أصحاب الموقع ذاته ـ بني معين ـ ، وبعض مما حوله كالغمر وبني ودعان ورازح ، وقيس والريث وهروب حتى مواقع الجوف ، فقد كانوا ينطقون الضمير السابق هكذا ( شو ) ـ هو ـ ، ومثلهم كان الأوسانيون والقتبانيون ، بعكس السبئيين فقد كانوا ينطقونه بطريقة هي أقرب إلى النطق المهري ،مع اختلاف يسير في النطق؛؛
(1) تاريخ اللغات الساميات ص208.
(2) تاريخ اللغات الساميات ص213.
صفحة 9
أي هكذا ( هاء ) ، ومثلهم في ذلك آل محمد والأيتام والجذميين ، وكل هؤلاء يعودون لمواقع في جبال العبادل ـ قرب الموقع ـ ،…. وهذا النطق كله هو في حالة ما يكون الضمير مذكراً ( هو ) .. أما في حالة ما يكون الضمير مؤنثاً ( هي ) فهو في الجبالية ينطق هكذا ( سه ، س ـ هـ ) وكذلك في بعض بطون القبائل المهرية ، إلا أن ( السين ) تنطق ممالة …. أما بعض البطون الحضرمية ، فهكذا ( س ) أو ( ث) ، … هذا موجز للكيفية التي كان ينطق بها ضمير الغيبة المنفصل في الموقع المشار إليه ، وكذلك جل المواقع التي تمتد حوله شرقاً وغرباً ، وشمالاً وجنوباً ، بجنوب جزيرة العرب قديماً وحاضراً فيما بينهم، … وإذا رجعنا لما يستعمل في بلاد الرافدين والشام وفلسطين قديماً ، فإننا سنجد نفس الاستعمال بعينه الذي يعمل به في جنوب الجزيرة العربية، عند أولئك الذين أطلقت عليهم مصطلحات سموا بها لإبعادهم عن أسماء أنسابهم الحقيقية ، كالكنعانية والآكادية ـ من بابل وآشور ـ فقد جاء ، أن ( شا ـ شو ـ شي ) قد عرفتها الكثير من اللهجات الكنعانية ، والآكادية بفرعيها ـ البابلي والآشوري ـ …. إلا أن الآكادية أخذتها لتعني ( ذا ـ ذو ـ ذي ) أما ( شو ـ شي ) فقد أخذتا لإعطاء مدلولين آخرين ، حيث ( شو ) تعني ( هو) و(شي) تعني ( هي ) …)) (1)…، وإذا عدنا إلى جنوب جزيرة العرب قديماً ـ والآن ـ وإلى المواقع التي أشرنا إليها ، فسنجد أن القتبانيين والأوسانيين والمعينيين ، كانوا يستعملون للإشارة ( سا ـ سو ـ سي )(2). (3). مثل أولئك الذين كانوا خارج جزيرة العرب ، ومنها خرجوا ، … أفلا يدل هذا التوافق في اللغة والأرض والتاريخ ، أن أولئك الذين سموا بالكنعانيين وآكاديين ؛ كانوا من هذه المواقع ـ بجنوب جزيرة العرب ـ ، وأنهم أيضاً من أصل هذه الأمم ـ ، التي كانت تسمى ، بمعين وأوسان ، وسبأ وقتبان ، بل ـ عندي ـ ؛ أن الكنعانيين ـ بالذات ـ هم من معين جازان ـ بني معين ـ ، إن لم يكونوا أصول من بقى منهم بجنوب الجزيرة على نفس التسمية ، بدليل ما سبق أن أشار إليه (( صموئيل …)) ، حول وجود اسم دولة معين في نفس الأرض التي وجدت عليها من سموا بكنعان وآكاد ، وفي زمن بعيد جداً ومتقدم حتى على الزمن الذي جعله المستشرقون تاريخاً لزمن رحيل من سموا بالكنعانيين من جنوب جزيرة العرب ، ـ وعندي ـ أن هذا الزمن الذي جعل لرحيلهم ـ إن صح ـ غير صحيح ، لأن المسلة التي دونت عليها الشريعة البابلية في (( 282 نصاً )) ، إنما كانت لدولة عربية ـ كما ثبت لهم ـ ،… وأن تلك الدولة كانت تبتدئ في : (( 2460 ق ـ م )) (4) .. وإذا كانت تلك الشريعة ، هي لدولة عربية قامت في بلاد بابل ، في نهاية النصف الأول من الألف الثالث قبل الميلاد ، وأن اسم تلك الدولة معين ، كما وجدت في نقوش بابل قبل ذلك بكثير ؛ أي في نهاية الألف الرابعة قبل الميلاد (( 3750 ق ـ م )) ، أفلا يدل ذلك على أن أصحاب تلك الدولة هم معينيون أصلاً ، لأننا وجدنا التاريخ يقول : إن صاحب تلك المسلة : (( هو الملك حمورابي ، وأن حمورابي هذا
(1) ، (2) ،(3) = نقوش يمانية :ص83،… العربية القديمة: ص 110،111،… لهجات اليمن لشرف الدين :ص19،15 ..، فقه اللهجات العربية القديمة : ص 153، 155، 56.
صفحة 10
هو سادس ملوك الأسرة الكنعانية ، التي أقامت حضارة عظيمة في بابل …)) (1) .. وإذا كانت هذه الدولة كنعانية ؛ فاللغة التي كتبت بها تلك الشريعة هي أيضاً لغة كنعانية ، لأن التاريخ يقول : (( كان للأسر الكنعانية تأثير عظيم في حياة بابل وعقائدهم وعقليتهم ؛ بل كان للغتهم نفوذ كبير في لغة بلاد بابل ، وهذا يدل على أن للكنعانيين كانت حضارة عظيمة قبل مجيئهم إلى بلاد بابل ، كما يدل أن العلاقة كانت متينة جداً بين اللغة الكنعانية والبابلية ، بل وتدل على قرب عظيم ، وشبه شديد بينهما ، حمل طائفة من المستشرقين أن تؤلف منها كتلة واحدة تماثل الكتلة السامية المكونة من اللغات الجنوبية في الجزيرة العربية …)) ( 2)… وهذا يؤكد لنا أن لغة كنعان وبابل هي لغة عربية جنوبية ، أي أنها لسان معينية ، بدليل ما سبق أن أوجزناه حول استعمال ضمائر الغيبة التي كانت تستعمل ممن سموا بالكنعانيين والآكاديين في بلاد بابل ؛ رأينا أنها كانت واحدة لدى الفريقين هناك ، وأنهم كانوا سواء في ذلك الاستعمال مع من بقي منهم ـ معاصراً لهم ـ في مواقعهم التي خرجوا منها في جنوب جزيرة العرب ، وبقوا أيضاً على تسمياتهم الأصلية كالمعينيين والقتبانيين والأوسانيين وغيرهم ، بدليل أن الآكاديين الذين كانوا يستعملون تلك الضمائر بحرف الشين وجدنا من الكنعانيين من كان يستعمل نفس الاستعمال الشيني … حتى من كان يستعمل تلك الأدوات من الكنعانيين بحرف السين ؛ وجدنا من الآكاديين من كان يستعمل استعمالهم ( شاشو ـ ساسو ) ( 3) … ولا يعد هذا اختلافاً في الاستعمال بينهم ؛ لأن الحقيقة تقول : إن من كان يستعمل استعمال (( الشين )) يعني أن الموقع الذي خرج منه أصحاب هذا الاستعمال في جنوب جزيرة العرب كانوا ينطقون هذه الأدوات بالشين ، ومثلهم أصحاب الاستعمال (( السيني)) .. إذن فهو تنوع في الاستعمال مرده اختلاف المواقع التي خرجوا منها في جنوب جزيرة العرب … بدليل أن من بقي منهم في تلك المواقع ـ وكانوا معاصرين لهم ـ كانوا يمثلون نفس الاستعمال(4) …. ، بدليل أن أصحاب هذه المواقع وإلى الآن ، لا يزالون محافظين على ذلك التنوع في استعمال ضمائر الغيبة ؛…… فبطون بني معين والغمر ـ على مقربة من جبال العبادل ، وبني مالك تجد الكثير منهم ـ لا يزالون ـ يستعملون هذه الضمائر بالشين في أولها ،… في حين نجد في جهات قيس وسلى ومن حولهم لا يزالون يستعملون (( سا ـ سي )) ، أما جهات الريث ومنجد وهروب وما حولهم شرقاً وغرباً وشمالاً وجنوباً (5) .. يستعملون الاستعمالين (( شا ـ شي ـ سا ـ سي )) وإلى الآن …. وليس هذا فحسب ؛ بل هناك من التأكيدات على عروبة ومعننة من سموا بالكنعانيين الكثير الكثير ؛ … فمثلاً جبال محافظة فيفا ـ القريبة من الموقع ـ ؛ نجد بعضاً من قبائلهم يستعملون (( ضمير جمع المتكلم نحن )) على صورتين ؛ إذ نجد منهم من يستعمل هذا الضمير على صورة (( انحن)) ومنهم من يستعمله على؛؛
(1) تاريخ اللغات السامية ، ولفنسون: ص 29ـ30. (2) ولفنسون ص53. (3) فقه العربية القديمة :ص155ـ156. (4) مختارات من نقوش يمانية :ص95. (5) هذه كلها مواقع حول الموقع الذي اكتشفناه في جبال منطقة وادي جازان ، جنوب المملكة العربية السعودية الآن.
صفحة 11
صورة (( نحن)) (1) .. ؛ وهذا الاستعمال نفسه وجدنا رواة التاريخ اللغوي يقولون: إن الكنعانيين كانوا يسـتعملون (( )) = ويقصدون بها (( انحن )) بمعنى نحنى في بداية الكلام للتنبيه … ووردت أيضاً : (( )) = ويقصدون بها (( نحن )) بدون ألف تنبيه ..) (2).. أما ضمير المتكلم المفرد (( أنا )) فهو كما في الآكادية (( أنكه ))(3) … وقد وجدنا هذا الضمير في الموقع يستعمل هكذا (( أناكه )) ، أما استعمال (( أنكه )) ؛ فيقصدون به ضمير المخاطب (( أنت )) ، كما ستأتي الإشارة إليه بمشيئة الله تعالى …)(4)0 إذن فلسان أهل هذا الموقع وماحوله ـ قديماً وحديثاً ـ ، تشهد بمعننة الكنعانيين والآكاديين ـ البابليين ـ ، وكذلك كل من كانوا خارج جزيرة العرب ، وهم من جنوبها رحلوا ، … بدليل أن استعمال تلك القبائل الراحلة ومن بقي منهم بهذا الموقع وما حوله ـ لضمير المخاطب (( أنت )) كان ينطق ـ كما يقول التاريخ اللغوي ـ في الآكادية القديمة بنفس النطق الصحيح في عربية للقرآن الكريم ، (( أنت )) ؛ في حين نجد نطقه في الآكادية الوسطى هكذا ( أتّ ) ، كذلك كان الأمر في الكنعانية (( أنت ـ أتّ ) ، وهذا ما أكده المستشرق (( رتشارد كابلس )) الذي عمل كتاباً في الآكادية ، وقد ذهب كابلس إلى أن (( أتّ )) أساسها في اللغة الأم (( أنت )) ، ثم يقول (( أنت )) آكادي أصل ، تاريخ مبكر (( 3200 ق ـ م )) و (( أتّ )) آكادي قديم ووسيط …) …(3) وإذا كان هذا هو ما كان يستعمل في الآكادية فهو أيضاً ما كان يستعمل في الكنعانية ، فقد رأينا في كل ما سبق أن كليهما كان الأمر فيهما واحداً … وإذا كان ماسبق في استعمال ضمير الخطاب كان يمثل مرحلتين من مراحل الاستعمال اللساني لكل أمة العرب عبر تواريخها ، فهذا الاستعمال لا يعني أن أولئك لم يكونوا من هؤلاء ، أبداً فالكل واحد ، بل ، إن استعمال (( أنت )) هو تمثيل ؛ لأن الفصيح هو الذي كان سائداً في هذه الأمم في بدايتها (5). أما استعمال (( أتّ )) فهو يمثل مراحل التبلبل والفساد اللساني الذي كانت تتردى إليه هذه الأمة عند تفرقها واختلافها وهذا التبلبل والفساد ؛ لم يكن خاصاً بهذه الأمم في خارج جزيرتها ، بل كل ما كان يحصل في الشمال ، يكون أساس حصوله في الموطن الأصلي لكل هذه الأمم وهو جنوب جزيرة العرب ؛ لأن ما يحصل هناك هو عين ما يحصل بداية في المواقع التي خرجت منها تلك البطون ، بدليل أنا وجدنا هذا التنوع في استعمال ضمير الخطاب ماثلاً في هذه المواقع ، كما سبق في ضمائر الغيبة والمتكلم المنفصلة ، وفي نفس الفترات الزمنية ؛ فمثلاً المعينيون ومن ورثهم ؛ ـ بعد رحيل أولئك ـ في هذه المواقع كاالسبئيين والقتبانيين والأوسانيين ، والمهريين ، وجدنا التاريخ اللغوي يقول : إن (( أتّ )) كانت موجودة عند المعينيين والسبئيين ، أما في الأحقاف والجبالية والمهرية فكانت هي (( هـ ـ ت )) ومعلوم أن (( هـ ـ ت )) هي (( أتّ )) ؛ لأن الهمزة تقلب (( ها )) في تلك اللهجات ؛؛ وهذا لا يعني أن؛؛
(1)تسجيلات صوتية وخطية من تلك المواقع أخذت ميدانياً . (2) فقه العربيات : ص150. (3) فقه العربيات ص150، راجع كابلس: ص : 115. (4) تسجيل ميداني موقع بني معين . (5) موضوع التبليل وبداية اللهجات العامية هذا باب قائم بذاته في كتاب (( الحلقة المفقودة الذي أخذنا منه هذه العجالة .
صفحة 12
(( أنت )) صريحة لم ترد في المعينية والسبئية وأخواتها ، بل العكس صحيح ، إذ أن (( أنت )) وردت في اللهجات المعينية والسبئية … (1)؛؛ ولم يكن استعمال (( أنت )) و (( أتّ )) ، بل نجدهم يقولون : إن هذا الاستعمال نجده في الأرامية مع تغيير طفيف في استعمال (( أتّ… أت ….)) ، أي أن في الأرامية (( أنت وأتّ ، وأت ، anta ، att ، at )) (2). إذن فقد كان هناك ثلاثة استعمالات لضمير الخطاب (( فأنت )) ، تمثل الفصيح في التاريخ المبكر ، ثم الوسيط وهو (( أتّ )) ثم الشاذ المتبلبل وهو (( أت )) مخففة ، وهذا يجلي لنا أمراً خطيراً ، وهو أن هذا التبلبل يُعد تاريخاً أصيلاً لبداية نشوء اختلاف الألسن وتباينها ، وهو ما سمي فيما بعد باللهجات ، … وهذا التباين يؤكد لنا ـ أيضاً ـ أن الأصل في هذا الضمير هو (( أنت )) ، وأن (( أتّ ـ وأت ـ وهت ـ وأك …)) هي أصول ميلاد تلك اللهجات المتباينة والتي سميت فيما بعد لغات وهذه الإشارة ، يؤكدها الحاضر ، الذي قالوا عنه إنه شاهد وبرهان للماضي ، وذلك أن في جنوب جزيرة العرب مواقع ـ التي نتحدث عنها ـ حفظها الله تعالى ، وحفظ من يتعاقبون ـ تناسلاً ـ عليها من أن يختلط بهم غريب ، أو يداخلهم دخيل ، وهي المواقع التي اعتبرناها ولسان أهلها (( الحلقة المفقودة في إثبات عروبة وعربية من رحل عنها قديماً ، وجدنا أن كل ما يوجد على ألسنة أولئك الراحلين قديماً ، من خصائص وصفات ، وجدناه بعينه موجوداً على ألسنة هؤلاء المعاصرين لنا ، ولا يقبلون غريباً بينهم ، وكذلك على ألسنة أجدادهم الذين تعاقبوا بعدهم … فمثلاً .. ، ضمير الخطاب بمراحل استعماله (( أنت ـ أتّ ـ أت ـ أك )) وجدناها ـ الآن ـ بعينها في هذه المواقع ، كما سبق أن أشرنا لوجودها فيها قديماً … فمثلاً جهات : القيوس وسلى ، يستعملون ـ الآن ـ وقديماً ـ (( أتّ )) أما قبائل الغمر وامتدادهم فيستعملون (( أت )) مخففة ، أي بدون تشديد ، وعلى مقربة منهم مواقع (( العبادل وقبائلهم )) نجدهم يستعملون (( أكّ )) أي أنهم ينطقون التاء المشددة نطقاً مفخماً ، أي أنه نطق أقرب إلى حرف الكاف لتقاربهما مخرجاً ، لكن المنصت المدقق يدرك أنه تاء مفخمة ( 3)… أما الريث وهروب ومنجد وهم من يطلق عليهم جهات الشام فنجد منهم من ينطق (( أنت )) كما هي ، ومنهم من ينطقها (( أت )) بعكس قبائل فيفا الذين وجدنا أنهم جميعاً ينطقون (( أنت )) ( 4).. لكنك سرعان ما تفاجأ بقبائل من بني معين ـ( أصحاب الموقع المتحدث عنه ) ـ ، وهم بين فيفا والعبادل فإنهم ينطقون (( أنت )) ـ (( أنكه )) ومثلهم بني ودعان وآل محمد ، وهذا ما يجعلنا نجزم أن (( أنكه )) في الآكادية والكنعانية ، والتي ترجمها المستشرقون أنها تعني ضمير المتكلم (( أنا )) ، نجزم أنها ليست كذلك ، بل هي تعني ـ كما سبق أن أشرنا سابقاً ـ (( أنت )) ، بدليل وجودها في موقعها الأصل الذي كانوا فيه قبل رحيلهم منه …. وهذا التباين لضمير الخطاب (( أتّ ـ أت ـ أك ـ أنكه ـ هت )) لا يعد تطوراً زمنياً ، أي أنه أخذ يتطور ، إلى أن وصل إلى (( أنت )) الذي يعد الآن هو الفصيح في اللغة ، بل رأينا أن (( أنت ))؛؛
( 1) تاريخ السامية، ولفنسون : ص15. (2) المرجع السابق :ص 15. (3) علي يحيى جابراللغبي ، ومحمد قاسم اللغبي ، وسلمان اللغبي من العبادل : تسجيلاً. (4) محمد بن مسعود الفيفي : لهجات فيفا = مخطوط .
صفحة 13
التي يعدها اللغويون رمزاً للفصيح ، كانت موجودة بين ذلك الكم اللهجي الهائل ، والمتأرجح بين البعد الخالص (( هت)) أو البعد المتوسط (( أك )) ، أو القرب المتوسط (( أت ـ أتّ )) ، أو القرب الخالص (( أنكه )) من الفصيح (( أنت )) وعلى هذا فليس هناك ، تطور ، لأن الفصيح ذاته كان موجوداً بين ذلك التباين النطقي لهذا الضمير ،… لأن من كان ينطق (( أتّ )) وجدنا عند التتبع والتحليل أن (( أتّ )) هي نفسها (( أنت )) إلا أن حرف النون الموجودة في (( أنت )) هي ظاهرة ولكنها أدغمت عند النطق في (( أتّ ـ وأت )) وهذه الحقيقة أكدها لي أحد أبناء الريث (1). حينما سألته عن سبب نطقهم (( أنت )) (( بأتّ )) فأجابني أن (( أتّ )) هي (0 أنت )) بذاتها عندهم ، إلا أنهم يدغمون حرف النون في التاء إدغاماً أنفياً ـ بغنة ـ ، فيظن السامع أن ليس هناك نون ، بينما هي موجودة ، والمنصت المدقق يجد ذلك واضحاً ، وليس في نطق (( أتّ )) فقط … بل هناك كلمات كثيرة ، تجد أبناء هذا الموقع وكل المواقع التي حوله ينطقون هذه الكلمات بنون مدغمة فيما بعدها أو قبلها ، فيسمعها السامع وكأن ليس بها حرف النون مثل كلمة (( أفّ )) ـ أي (( أنف )) هذه الكلمة إذا قلت لعبدلي من ـ العبادل ـ أنطق كلمة أنف كما هي في لهجتكم ، فلن ينطقها إلا (( أفّ )) ومثله أهل الريث وبني معين وغيرهم كثير … إذن فلا نغالي حينما نقول إن الآكادية ومنها الكنعانية ـ لأنها هي هي ـ ، قد هاجرت من هذا الموقع ـ المسمى (( ببني معين وما حوله )) ، .. لأن هذا الإدغام بعينه وجدنا علماء التاريخ اللغوي يقولون : (( ونجد بالآكادية الوسطية كلمة (( أنت )) هي (( أتّ )) وفي الآكادية القديمة (( أنت )) .. ونفس هذا نجده أيضاً في الآكادية والكنعانية ـ إذ نجد أن كلمة (( أنف )) ، هي في الوسيطية : (( أفّ )) ، بينما هي في القديمة (( أنت )) (2) ، … إذن فهو تباين لساني ، اختلاف لهجات لقبائل وبطون بعضها من بعض ؛ سواء كانت هي في مواقعها هنا، كما سبق آنفاً ، أو من كان منهم هناك وهو في أصله منتقلاً من هنا …. فإذا كنا قد رأينا ذلك هناك ، فقد رأيناه هنا أيضاً ، كما في العبادل والغمر والريث ومنجد وهروب وغيرهم ….. ، بل الأمر هناك لم يقتصر على الكنعانيين الذين كانوا في بلاد آكاد وبابل وحدهم ، بل ، ( قد وجدنا ذلك أيضاً في كلمة (( بنت )) إذ هي في التدمرية ـ الكنعانية ـ والمصرية الدارجة اليوم (( بتّ )) … ومنها (( بت زباى …))(3)… بل هي موجودة اليوم حتى في تهامة عندنا غورتهامه ـ إذن فهذا التنوع في النطق، إنما يعود لاختلاف المواقع التي انتقلت منها تلك القبائل والبطون ، إذ وجدنا أن (( أتّ )) ، هي (( أنت )) نفسها ، واختفاء النون فيها ، إنما هو اختفاء إدغام ، لأنها حرف أصلي في بنية الكلمة (( أنت )) بدليل أنا وجدنا بين بطون تلك ـ هذه ـ القبائل من ينطقها ـ أي النون ـ رغم تبلبل (( أنت )) نفسها على لسانه عندما ينطقها ، كما رأينا ذلك في بني معين (( الموقع )) وما حوله كبني ودعان والغمر وغيرهم..، الذين ينطقون (( أنت )) (( أنكه )) ، إذن فهناك من يصرح بهذه النون رغم تبلبل لسانه ، مما يؤكد
(1) هو مفرح الريثي . (2) ملامح في فقه العربيات القديمة. ص193.(3) ولفنسون : ص288.
صفحة 14
أصالتها ، وعدم صحة من يقول بزيادتها لبعده عن معرفة طبيعة ألسنة أهل مواقعها ، الأصلية في جنوب جزيرة العرب ، كصاحب كتاب (( ملامح فقه اللهجات العربيات )) الذي قال : (( وقد ذهب كابلس إلى اعتبار أصل الكلمة (( أنت )) … ونحن نشك في ذلك ونعتبر (( أنت )) تطوراً (( لأتّ )) ، بعد إدخال الحاشية ـ النون ـ لإظهار الهمزة والتاء حين توسطها …))(1) … وإذا كانت هذه المواقع تؤكد ألسنتها اليوم ، أن من سموا بالكنعانيين وآكاديين وأراميين ، هم عرب ومن هذه المواقع رحلوا ، بل إن من سموا بالكنعانيين هم معينيون ، ومن موقع بني معين وما حوله كان رحيلهم ، لأنا رأينا ….
عودة للخط والنقوش:ـ
اسم معين ودولتهم وقبائلهم يتكرر في خطوط نقوشهم هناك ، وإذا كان الخط الذي كتبت به تلك النقوش ـ المسماري ـ هو كنعاني الأصل باعتراف المستشرقين أنفسهم ، حينما قالوا: (( إن الكنعانيين هم الذين اخترعوا أبجدية الكتابة المختزلة للخط المسماري والهيروغليفي …. فلا غر وأن أصبح الخط الكنعاني أساساً لجميع خطوط العالم المتمدن في الشرق والغرب …)) (2). وإذا كان الكنعانيون هم مخترعوا أبجدية الخط المسماري ، الذي كتب به اسم المعينيين ودولتهم في نقوش آكاد وكنعان … أفيعني هذا أن الخط المسماري، هو خط معيني؟ .. وبهذا يكون الكنعانيون هم معينيون فعلاً ، كما تقول اللغة وتاريخها ؟…وهنا نستفتي سجل التاريخ الإنساني ، بعد أن استفتينا اللغة …. يقول أشد المستشرقين تعصباً ضد العرب ـ هو مل ـ : (( إن الخط المسند هو الأصل الذي اشتق منه الخط الكنعاني .. ودليله على ذلك ، إن نماذج من الكتابات المعينية التي وصلت إلينا؛ هي أقدم من النماذج الكنعانية …(3)، … ولذلك يرى ولغنسون أن أسباب سهولة حل رموز حروف المسند على المستشرقين إنما يرجع لشدة تشابههما مع الكتابة الكنعانية القديمة …(4)،…. بل يذهب مرجوليوث إلى أبعد من ذلك حينما يؤكد تواجد المعينيين ، ومن بعدهم السبئيين في بلاد آكاد وبابل ، وذلك من خلال قوة التأثير الذي كان لهم في كل الأمم التي كانت مجاورة لهم هناك ، كما اتضح لهم ذلك من خلال الكتابات القديمة التي كشفت في مدينة (( أور ـ u r )) بالعراق ، وهي من أقدم المدن وأعرقها في الحضارة السامية القديمة ، وقد وجدت هذه الكتابات محفوظة بالقلم المعيني …… ووجود كتابات عربية في تلك الناحية إلى عصر بالغ من القدم هذا المبلغ ، لهو من أكبر الأدلة على صحة ما ذهبنا إليه من وجود حضارة سامية في جنوب بلاد العرب منذ زمن بعيد في التاريخ القديم ….))(5) …. ومن هذه العجالة التاريخية تلاحظ أن لغة وقلم من سموا بالكنعانيين ، تشهد أنهم معينيون ، وتشهد أيضاً أنهم كانوا في بلاد (( أور )) يعتزون بأسماء أصولهم
(1)الحلقة المفقودة للمؤلف / عبد الرحمن الرفاعي :ص46ـ 53. (2) ولفنسون :ص54.( 3) ص5sudarabischechrestomathie.(4)ص109ـ135.Ephemevis : ErsterBand.. (5) ص7 ،27 mavjolioth:relationbetweenarabs&lsvaelites
صفحة 15
وأنسابهم المعينية والسبئية …. وتشهد ـ أيضاً ـ أنهم كانوا في بلادهم الأولى أصحاب حضارة عريقة موغلة في القدم ، وأن أبجدية تلك الكتابات هي أبجدية معينية سبئية .. بل وتدحض من أراد أن يمزق ـ بحقده ـ أواصر قربى المعينية بين من كانوا هناك ومن بقي منهم هنا ، بل تجعل ما جاءوا به من حجج نفي حجج إثبات ، كقولهم : (( إن حروف المسند ، هي الأبجدية العربية … أما الخط الكنعاني ، فينقص عنها حروف (( ذ ـ ض ـ ظ ـ س ـ ( 1)…..)) ، وهنا نقف ونسأل : هل فعلاً كانت حروف المسند ـ العربية ـ ، هي غير الأبجدية الكنعانية؟ … ثم كيف تكون أبجدية المسند هي غير الكنعانية؟ … وعند التدقيق نجد أن الحجة التي أوردوها على ما أرادوه ، تدحض ما قالوه … إذ كيف تكون أبجدية الخط الكنعاني ، هي غير أبجدية المسند ، لإنتقاصها بعض حروف أشاروا إليها ؟ أيعني ذلك أن بقية حروفها هي حروف مسندية ؟ …. كلام لا يقبله منطق … لأنه كلام آخره ينقض أوله …. بل هم أول من نقضه … وفي نفس الصفحة بقولهم: (( إن حروف المسند بالنسبة للخط الكنعاني تنقسم إلى ثلاثة أقسام :ـ
الأول: حروف تتفق تمام الاتفاق مع أمثاله من الخط الكنعاني …حتى ليعد ذلك تقليداً دقيقاً لها وفيها (( ج ـ ط ـ ل ـ ن ـ ع ـ ش ـ ق ـ ت ـ ,….)) ؛؛
الثاني : حروف دخل عليها شيء من التغيير نحو (( د ـ ر ـ ح ـ ك .. )) ؛؛
الثالث : حروف بعدت تماما عن أصولها الكنعانية نحو : (( ز ـ ص ـ س ـ م..) (2) .. وإذا كانت حروف المسند والكنعاني لا يخرجان عن بعضيهما بصورة عامة ؛ وإن حاولوا أن يقسموها إلى ثلاثة أقسام ، إذ عند التركيز عليها نجد أنهما لا يخرجان عن بعضهما ، فكون جزء منها يعد تقليداً لما يقابله لما سمي بالكنعاني ؛ يؤكد عروبتهما ووحدة مكانهما ، .. أما الجزءان الآخران ؛ فقد سبق أن رد بعض المستشرقين على زملائه بجواب ينسف أمر هذا التقسيم ، وإن كان فيه تعميم ، وهو ما سبق أن قاله ((هومل )) : (( إن الخط المعيني هو الأصل الذي اشتق منه الخط الكنعاني ..)) .. وإذا كان الكنعاني قد اشتق من المسند المعيني ؛ فكيف تكون حروف أبجدية المسند عربية ، والكنعاني غير ذلك ؟ إذن فيما كان الاشتقاق ؟ .. وكيف يكون مثل هذا ؟ وهناك الكثير من الباحثين يقول : (( إنهم وجدوا كتابات كنعانية تشبه حروفها الحروف العربية القديمة ، أي أنها حروف المسند ذاته ، وأخذوا من ذلك أن أولئك المهاجرين حينما انتقلوا إلى العراق ، نقلوا معهم خطهم القديم ، ثم أخذوا يطورون خطوطهم حينما استقروا هناك …)) (3) … وإذا كان الباحثون المخلصون يؤكدون أن الكتابة التي سميت بالكنعانية هي معينية الأصل ، .. فهذا يؤكد ـ أيضاً ـ أن من سمي بالكنعانية هناك هم أصلاً معينيون .. أما قضية الحروف التي حاولوا أن يدخلوا من خلالها لإثبات ما يريدونه .. فإن الدارس المدقق يجد من خلال الإشارات الموجزة (4) ـ السابقة ـ ،
(1) ولغنسون،ص211.(2)ولغنسون،ص210.(3)المفصل : 568ـ569/1. (4) لأن هذا الموضوع بإيجاز من كتاب الحلقة المفقودة في عربية الساميات، للباحث نفسه.
صفحة 16
قضية الحروف:ـ
عدم وجود أي خلاف في ذلك ؛ لأن الأمر واحد ؛ لكون التاريخ اللغوي ؛ يقول ـ بإيجاز ـ (( وقد كانت البابلية لا تمتلك الحروف (( ع ـ ح ـ غ )) … وهي حروف حلقية .. ولا حروف (( ط ـ ظ ـ ص ـ ق )) .. وهي من أحرف التفخيم …))(1) .. وهنا نقف ونسأل : هل فعلاً كانت تلك اللهجات تفتقد لتلك الأحرف أو غيرها ؟ …. وهل يعني فقدانها لها ـ إن صح ـ دليل على كونها غير عربية ؟ … والحقيقة أن الأمر لم يكن كما تصوره أولئك المستشرقون ومن صار على نهجهم … وذلك لأسباب كثيرة ، منها أن تلك الألسن ـ هناك ـ لم تكن لغات كما أرادوا ، بل هي لهجات نشأت متباينة قرباً وبعداً من اللسان الأم ـ العربية الأولى ـ نتيجة لتبلبل ألسنة أصحابها ،(2)… ومنها أن تلك اللهجات لم تكن تفتقد لتلك الحروف التي أشير لعدم وجودها في تلك اللهجات بل كانت موجودة فيها ولكن نطقها في تلك اللهجات القديمة كان يحصل فيها بطرق متعددة حسب فترات التبلبل اللساني التي كانت تحصل بين حين وآخر ؛ سواء كان ذلك في مواقعها التي انطلقت منها في جنوب جزيرة العرب ،أو في المواقع التي استقرت بها خارج جزيرتها ..؛؛
من طرق نطق الأحرف في فترات تبلبل الألسنة :ـ
وتلك الطرق في النطق هي التي تجعل الباحث البعيد عن حقيقة طبيعة تلك الألسن وأصولها في مواقعها التي خرجت منها في جنوب جزيرة العرب يقول بعدم وجود تلك الأحرف ، وهذه الحقيقة لا يدركها إلا من كان من أبناء أصول مواقعهم تلك ، وهذا ما صرح به بعض من أبناء هذه المواقع المعاصرين ، وهم لا زالوا يحافظون على طرق ذلك النطق المتبلبل كما حصل في عهوده الغابرة ، يقول ، : (( إن نطق الأحرف بالأسلوب القديم ، هو الذي يحول بين المتلقي وبين فهم المعنى المراد من الكلمة التي يشوبها النطق بذلك الأسلوب … إذ قد يعتقد المتلقي أن في تلك الكلمة حرفاً غريباً لا يعرفه ، مما يبعد الكلمة عن الفهم … ولو تم تذوق تلك الأحرف بشكل صحيح لما أبعد المستمع عن فهم معنى تلك الكلمة (3)….))؛؛وهذا يوضح ـ كما ترى ـ أن هناك أسلوباً خاصاً لنطق مثل تلك الأحرف ، التي ظن الكثير ممن لا علم لهم بكيفية ذلك النطق أنها مفقودة ، أو أنها أحرف أخرى مما لا يشير إليها ، في حين رأينا أن الحقيقة تقول بغير ذلك تما ماً …. أما الأسلوب الذي أشير إليه فإني أرى أنه يتبلور في أساليب :
ـ القلب.
ـ الإبدال.
أو الدمج والدمغ. أو دمغ بعض الحروف في بعض، كما رأينا ذلك في النون الأنفية عند دمغها في التاء ـ (( أتّ )) ، أو الفاء ـ (( أف )) ـ … ، أو كما يقول أبناء المنطقة من : (( أن هناك أحرف تنطق بطريقتين ، حديثة ، وقديمة ، ومن أمثلة
(1) ولفنسون،:42ـ211. (2)يستحسن أن يرجع لهذا في الحلقة المفقودة إلخ ..، (3) العربية القديمة :ص75.
صفحة 17
علي- عدد المساهمات : 2
تاريخ التسجيل : 17/01/2010
رد: نسب قبيلة بني معين
بيض الله وجه من قام بكتابة هذا الموضوع ونريد المزيد وزيارة المواقع الأثرية ولكم كل الشكر والتقدير
بن تركي- عدد المساهمات : 2
تاريخ التسجيل : 13/04/2013
رد: نسب قبيلة بني معين
أحيي فيكم روح الشهامة والنخوة والصدق اهتموا بالموضوع حفظكم الله للأجيال القادمة وتوصلوا مع كبار السن والمشائخ فعندم بعض المعلومات المهمة وفق الله كل من كتب وساهم وشارك واتصل ونحن معكم أخوكم أبو جراح المعيني
بن تركي- عدد المساهمات : 2
تاريخ التسجيل : 13/04/2013
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى